View Categories

(ف425) أود أن أطرح على فضيلتكم سؤالًا يقلقني منذ فترة، ويتعلق بحُكم شراء المنزل في الولايات المتحدة عن طريق البنوك، خاصة وأنني أعلم أن هذه المعاملات تتضمّن رسوم فوائد. أحيطكم علمًا بأنني أُقيم حاليًّا في سكن بالإيجار، ولا أملك منزلًا خاصًّا بي هنا في أمريكا، ولم يسبق لي شراء منزل من قبل، فهل يجوز شرعًا أن أشتري منزلًا عبر البنك وأسدد ثمنه بالأقساط، رغم وجود الفوائد؟

لقد أجبت عن هذا السؤال من قبل مفصلا في بحثنا الموسوم (مختصر رأي الأحناف في العقود الفاسدة في دار الكفر) فليراجع.
وبصورة مجملة أقول:
بالنسبة لشراء البيت بالقرض من بنك استثماري في دار الكفر، فقد تعددت الآراء في ذلك وخلاصتها:
الرأي الأول: ويقضي بأن القرض بالفائدة الثابتة أو المتغيرة محرم ممنوع وهو من الربا، ولا يجوز للمسلم أن يأخذه أو يعطيه إلا في حالة الضرورة الملجئة، وهي التي تهدد النفس أو العرض أو الدين، وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن يشتري بيتًا عن طريق القرض البنكي ذي الفائدة لقيام البدائل الأخرى ومنها الإيجار أو عروض شركات البيع الإسلامية، وإن زاد سعرها عن سعر السوق زيادة كبيرة.
الرأي الثاني: يرى أن السكن حاجة من الحاجات الأساسية والعامة والتي تلحق بالضرورة، على ما قرره العلامة الجويني في البرهان، ومفادها أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة.
فالسكن حاجة عامة ولا ترتبط بشخص معين، قال إمام الحرمين رحمه الله: (الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة، في حق الواحد المضطر، فإن الواحد المضطر لو صابر ضرورته، ولم يتعاط الميتة لهلك، ولو صابر الناس حاجاتهم وتعدوها إلى الضرورة، لهلك الناس قاطبة، ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك، ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد).
والكثير من الناس الآن لا يستطيع الحصول على منزل مناسب وآمن دون قرض من جهة مالية، سواء كان القرض بفائدة أو غير ذلك.
وعلى ذلك فقد ذهب أصحاب هذا الرأي إلى جواز القرض البنكي ذي الفائدة لشراء بيت السكنى، ولكنهم اشترطوا لذلك شروطا:
١- ألا يكون هناك بديل معقول كالإيجار بقيمة أقل من أقساط القرض.
٢- أن يكون البيت للسكنى وليس بغرض الاستثمار.
٣- أن يكون البيت الأول لمالكه، وإذا أراد أن يغيره وجب عليه بيع العقار الأول.
وقد تبنى هذا الرأي العلامة القرضاوي والكثير من فقهاء المجلس الأوربي للإفتاء.
الرأي الثالث: وهذا الرأي يفرق بين المعاملة في دار الكفر ودار الإسلام، فيجيز في دار الكفر ما لا يجيزه في دار الإسلام، وذلك مثل المعاملات الربوية، فيجيز الدرهم بالدرهمين أخذًا وإعطاء إذا كان ذلك في منفعة المسلم.
ويتبنى هذا الرأي جمهور السادة الأحناف وبعض الحنابلة كابن تيمية الجد كما ذكره في المحرر، ونقله ابن القيم عنهم في بدائع الفوائد.
ولهم في ذلك أدلة متعددة ذكرناها في بحثنا المشار إليه.
وعلى هذا الرأي يجوز شراء بيوت متعددة وكذلك أي صورة أخرى كالسيارات والمكاتب والمعامل والعيادات وغيرها من أصول التجارة.
والذي نراه ونفتي به هو الرأي الأخير فيجوز للمسلم شراء البيت بالقرض من البنك التجاري ما كان في ذلك مصلحته وسواء كان ذلك بيته الأول أو غيره.
المفتي: د خالد نصر