المرأة بين العقاد والغزالي
“القوامة والمساواة نموذجًا”
لقد شغلت قضايا المرأة كثيرًا من الكتاب والمفكرين على تنوع مشاربهم وخلفياتهم، فمن الفقيه إلى الفيلسوف، إلى الكاتب والمفكر الليبرالي أو العلماني، إلى المصلح الاجتماعي. وكما تعدد الكتاب، تعددت الموضوعات التي تتناول قضايا المرأة وجِهَة التناول، فهناك من يُنَظِّر ويُقَعِّد، وهناك من يدافع، وهناك من يحاول أن يكون منصفًا، وهناك الوصفي، وهناك المعياري.
لقد نشط كثير من الباحثين لمعالجة قضايا المرأة في العصر الحديث بداية من الشيخ رفاعة الطهطاوي بيك في كتابه “المرشد الأمين” ومرورًا بالإمام محمد عبده وتلميذه قاسم أمين بيك، لا سيما ما ألفه قاسم بيك؛ “تحرير المرأة”، و”المرأة الجديدة”، وما واكب ذلك من ردود على الكتابين جاءت من معاصريه وممن بعدهم، والتي مثلت تنوعًا في معالجة قضايا المرأة، وانعكاسًا لفهم طبيعة دور المرأة في الحياة.
ومن بين الذين كتبوا في قضايا المرأة اخترت مُفَكِّرَيْن وعَالِمَيْنِ مشهودًا لهما، وإن تمايزت اهتماماتهما ومصادرهما أحيانًا.
الأول: هو الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد الأديب والشاعر وصاحب المؤلفات الدينية والأدبية، والذي يمثل تيارًا فكريًّا مهمًّا في الأدب والتراث العربي الحديث.
والثاني: هو الشيخ محمد الغزالي الفقيه والمفكر والمُنَظِّر، الشيخ الأزهري الذي مارس الدعوة، ونشط في التعليم، والذي كاتب وناقش وجادل. كلا العالمين كتب عن المرأة في عدة مناسبات، ولكني اخترت أن أوازن بينهما في كتابين هامين؛ الأول للأستاذ العقاد وهو “المرأة في القرآن”، والثاني للشيخ الغزالي وهو “قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة”، وبما أن الكتابين قد تناولا موضوعات متنوعة فسأقتصر على بعض الموضوعات الهامة، والتي يكثر الكلام فيها:
أولا: مفهوم القوامة عند العقاد والغزالي:
قضية القوامة بين الرجل والمرأة من القضايا التي شغلت كثيرًا من الكتاب، وهي أيضًا من القضايا التي يطنطن بها كثير من المدافعين عن حقوق المرأة، ويرون فيها ظلمًا وهضمًا لحقوق المرأة الإنسانية، ولذا فقد حاول بعض المفكرين الإسلاميين التخفيف من حدة لوازم القول بالقوامة، حتى إن بعضهم لم يبق من القوامة إلا جانب الواجبات، وأبطل ما يقابله من حقوق.
وقد كتب الأستاذ العقاد فصلًا في كتابه تحدث فيه عن مسألة القوامة تحت عنوان “للرجال عليهن درجة”، والذي يقرأ الفصل يرى في باطن المقال أكثر مما يظهر ظاهر المقال؛ فالأستاذ يقرر أن قوامة الرجل على المرأة مبدأ مستقر منذ آدم، وهو يرى أن القوامة مستحقة للرجل بسببين؛ أحدهما لازم، والثاني عارض، يقول الأستاذ: «والقوامة هنا مستحقة بتفصيل الفطرة، ثم بما فرض على الرجال من واجب الإنفاق على المرأة، وهو واجب مرجعه إلى مجرد إنفاق المال، وإلا لامتنع الفضل إذا ملكت المرأة مالًا يغنيها عن نفقة الرجل أو يمكنها من الإنفاق عليه».
ويرى الأستاذ العقاد أن فضل الرجل على المرأة ليس راجعًا إلى القوة البدنية التي يظهر بها الرجل على المرأة، ولكن أيضًا في الأعمال المتنوعة، بل يرى أن الرجل تفوق على المرأة حتى في الأعمال التي يفترض أنها ملازمة للمرأة كالطبخ والنسج والخياطة وأعمال الزينة، فيقول: «إذا نظرنا إلى واقع الحال نجد أن أفضل الطباخين من الرجال، وأن أكبر دور الملابس النسائية والرجالية يقوم عليها مصممون رجال، وأشهر من يقومون على الزينة في الأفراح والمناسبات وفي السينما والمسرح من الرجال».
ومن اللطائف أن الأستاذ يعطي مثالًا بالنواح على الموتى، ويفترض أن طبيعة المرأة تؤهلها إلى التفوق في هذا الباب، ولكن واقع الحال يقول: إن أفضل المراثي جاءت من الرجال فيقول: «وتنوح المرأة على موتاها، وتتخذ النواح على الموتى صناعة لها في غير مأتمها، ولم تؤثر عن النساء قط في لغة من اللغات مرثاة تضارع المراثي التي نظمها الرجال».
ويرد الأستاذ العقاد على من يقولون: إن هناك نساء بززن الرجال وتفوقن عليهم في القدرة والكفاءة. ولكنه يعتبر هذا استثناء فيقول: «وقد تكون منهن من تفوق جمهرة الرجال في بعض الأعمال، ولكن فضائل الأجناس لا تقاس بالنصيب المشترك، بل تقاس بالغاية التي لا تدرك، ولا تؤخذ بالاستثناء الذي يأتي من حين إلى حين.. وقد يوجد بين الصبيان من هو أقدر على أعمال الرجال، بل قد يوجد في أثناء الليل ساعة أضوأ من بعض ساعات النهار، وإنما تجري الموازنة على الغايات القصوى، وعلى الأغلب الأعم في جميع الأحوال، وما عدا ذلك فهو الاستثناء الذي لا بد منه في كل تعميم».
ويفسر الأستاذ العقاد كلمة “درجة” على أنها الأشياء الراجعة إلى أصل البنية والقدرة والوظيفة والإتاحة المستمرة، وكلها عنده من مزايا الرجل بأصل الطبيعة.
فإذا ما جئنا للشيخ الغزالي نجد أنه تكلم في كتابه عن القوامة في مقال خاص، وكذلك نشر كلامه في أثناء الكتاب، وهي عنده وظيفة: «والرجل قيم على بيته يقينًا، وهذه القوامة تكليف قبل أن تكون تشريفًا، وتضحية قبل أن تكون وجاهة».
وفي مقال له تحت عنوان: “القوامة لا تعني القهر”، فهو يثبت للرجل قوامة ولكنها عنده وظيفة وليست أمرًا فطريًّا كما عند الأستاذ العقاد،
يقول الشيخ الغزالي: «هل قوامة الرجل على بيته تعني منحه حق الاستبداد والقهر؟ بعض الناس يظن ذلك وهو مخطئ، فإن هناك داخل البيت المسلم ما يسمى “حدود الله” وهي كلمة لاحظت في تلاوتي للقرآن الكريم أنها تكررت ست مرات في آيتين اثنتين!!!».
«ما هذه الحدود التي تكررت ست مرات خلال بضعة سطور؟ إنها الضوابط التي تمنع الفوضى والاستخفاف، ضوابط الفطرة والعقل والوحي التي تقيم الموازين القسط بين الناس، إن البيت ليس وجارًا –بفتح الواو وكسرها وهو الجحر- تسكنه الثعالب، أو غابا يضم بين جذوعه الوحوش». يرى الشيخ الغزالي أن العلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة هي قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]. الذي يجعل الحياتين حياة واحدة.
وفي مقال آخر تحت عنوان: “بيت الطاعة اجتهاد خاطئ” يرفض الشيخ سلطة الرجل في إرغام زوجته على العيش معه دون رضاها؛ يقول الشيخ: «وقد عاصرت عهدًا كان القضاء الشرعي يأمر بإرسال الشرطة إلى أسرة الزوجة لإرغامها على الذهاب إلى بيت الطاعة كي تعاشر زوجها، وكانت الأسرة تقوم بتهريب الزوجة إلى مكان بعيد فرارًا من تنفيذ حكم القضاء، وكنت أسأل نفسي: هل هذا هو تفسيرنا لقوله تعالى: ﴿أَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 231]»؟
ومن الواضح في ثنايا الكتاب أن الشيخ لا يرى القوامة بالصورة التي يريد أن يصورها الكثير، فكما قلت هي عنده وظيفة، ولذا نراه يسير في اتجاه الحد من سلطة الرجل بمقابل الحفاظ على الأسرة، فيثني على رأي ابن تيمية في الطلاق البدعي، وينكر على الفقهاء الذين يسارعون في إيقاع الطلاق: «هناك فقهاء تحسبهم متربصين لكلمة الطلاق أو تفهم أو تتوهم، فإذا هم يحكمون على الحياة بالموت كأنهم يشتهون تمزيق الشمل وبعثرة الكيان الجميع». ويثني على ابن حزم في إبطاله جميع أنواع الطلاق المعلق لأنه من الباطل والمحدثات.
بل إن الشيخ ذهب لتقييد حق الرجل في الطلاق اللفظي فيقول: «وأستطيع أن أضم إلى ذلك رفض الطلاق الذي ليس عليه إشهاد، فالشاهدان لا بد منهما لقبول العقد والرجعة والطلاق على سواء».
ثانيًا: المساواة:
من القضايا التي يكثر الكلام فيها المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق، وقد عرض لهذه القضية الأستاذ العقاد والشيخ الغزالي، وسنبدأ هذه المرة بالشيخ الغزالي؛ ففي مقال له تحت عنوان: “المساواة ثابتة في القرآن” يقدم الشيخ الغزالي بمقدمة ترفض نسبة الدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة للحضارة الغربية، سواء في نموذجها القديم اليوناني والروماني الوثني والروماني الكنسي أو حتى في النموذج الحديث.
أما الإسلام فقد بين هذا الحق: «إن الذي يتدبر القرآن الكريم يحس المساواة العامة في الإنسانية بين الذكور والإناث، وأنه إذا أعطى الرجل حقًّا أكثر فلقاء واجب أثقل، لا لتفضيل طائش، وقوامة الرجل في البيت لا تعني ضياع المساواة الأصلية، كما أن طاعة الشعب للحكومة لا تعني الطغيان والإذلال».
ولأجل هذا نجد أن الشيخ قد رفض كل ما يقلل من حقوق المرأة ولو كانت روايات في كتب الحديث أو أحكامًا في كتب الفقه.
ومن ذلك رفضه لما رواه الحاكم عن هشام بن عروة عن أبيه عن السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسكنوهن الغرف، ولا تعلمونهن الكتابة، وعلموهن الغزل وسورة النور».
كما رفض سلب حق المرأة في الزينة المسموح بها للرجل كاستعمال الروائح الطيبة لإزالة رائحة الطبخ، وحق المرأة في حضور المساجد والمناسبات كالرجال وغير ذلك.
يقول الشيخ الغزالي: «إن الإسلام سوى بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات، وإذا كان هناك فروق معدودة فاحترامًا لأصل الفطرة الإنسانية وما ينبني عليها من تفاوت الوظائف».
ويروي قصة حصلت معه عندما سأله أحدهم عن حكم تولي مارجريت تاتشر حكم بريطانيا، ولعله سؤال المنكر أن تتولى امرأة الحكم، فقال له الشيخ: «بماذا تجيب هذه المرأة إذا قالت لك –وهي واسعة الثقافة- إنني توليت الحكم على مذهب أهل الظاهر في الفقه الإسلامي؟».
وفي مجال التعليم كتب الشيخ الغزالي مقالًا تحت عنوان: “رهينة المحبسين: الجهل والفقر”، وروى قصة مفادها أنه كان يعطي محاضرة عن حق المرأة في الدعوة والعمل والتدريس مثل الرجل، فإذا بشخص يعلق: “كنا نظن هذا المحاضر رجلًا صالحًا فتبين أنه ألعن من قاسم أمين”.
ويقول في مقال آخر: «المرأة اليهودية تشارك مدنيًّا وعسكريًّا في قيام إسرائيل، وها هي ذي توشك أن تكون ملكة في البيت الأبيض تضع اللمسات الأخيرة في الإجهاز علينا، ولا يزال نفر من أدعياء التدين يجادلون في حق المرأة أن تذهب إلى المسجد».
ومع أن الذي يقرأ كتابات الشيخ الغزالي يشعر بتبنيه لقضية المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، إلا أنه لا يذهب فيها حد الإطلاق، بل نراه يوازن بين مطلب المساواة وبين طبيعة الوظائف المترتبة على اختلاف طبيعة الخلق، ففي مقال “مراعاة الوظائف واجبة” يرفض أن تعمل المرأة محصلة تذاكر في الأتوبيس أو مضيفة في الطائرة أو شرطية عامة في الشوارع والأقسام وقوات الأمن؛ لأن ذلك كله ينافي طبيعة الخلقة، ويعرض المرأة لما يخالف فطرتها.
وبالجملة نجد الشيخ في ثنايا كتابه يدعو للمساواة بين الجنسين في التعليم في أكثر الأعمال، وفي حق تمثيل الأمة، وفي البروز للناس، وفي الدعوة، وفي حق الولاية، وغيرها مما جحدها الرجال على مر العصور.
أما الأستاذ العقاد فيرى مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في ضوء الحقوق والواجبات، ويرى أن الإسلام جاء بأفضل صورة تراعي ميزان العدل لا ميزان المساواة: «فالمساواة ليست بعدل إذا قضت بمساواة الناس في الحقوق على تفاوت واجباتهم وكفايتهم وأعمالهم، وإنما هي الظلم كل الظلم للراجح والمرجوح».
ويشير الأستاذ العقاد إلى محاولة البعض التفريق بين مستويين من المساواة، الأول المساواة المطلقة والتي هي صعبة التحقيق، والثاني المساواة في الفرصة، والفرق أن المرأة تأخذ نصيبًا مناسبًا يكافئ ما يمتاز به الرجل، وهو يرى أن هذه المحاولة لن تنجح بسبب اختلاف الطبيعة الفطرية التي أشار إليها، يقول الأستاذ: «ولكن الاحتياط بمساواة الفرصة عبث عند اختلاف الجنسين، واختلاف وظيفة كل منهما بحكم الفطرة، ونتائجها في العلاقات الاجتماعية، فلا محل هنا لتعليق المساواة بالفرصة السانحة، إذ كانت الفرصة هنا مقرونة بأوضاع الطبيعة التي لا تبديل فيها».
ويقوم رفض الأستاذ العقاد لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة على عدة عوامل عنده:
الأول: الاختلاف الفطري بين الجنسين والذي هو في صالح الرجل قوامة وقدرة وتغلبًا.
الثاني: أن المساواة بمفهومها المطلق عنده ليست عدلًا ولا مصلحة لأي من الجنسين.
الثالث: أن المساواة ستؤدي إلى الخلل المجتمعي؛ فليس لدى المرأة وقت يتسع لما يتسع له وقت الرجل من المطالب العامة، مع اشتغالها بمطالب الحمل والرضاع والحضانة وتدبير الحياة المنزلية.
ويرى الأستاذ العقاد أن الشريعة كانت أصدق تعبيرًا في تقريرها المساواة المبنية على ميزان العدل، وليس المساواة في الحصة، فيقرر أن الشريعة ساوت بين الجنسين فيما يقبل المساواة مثل الحقوق والواجبات: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، وفي الجزاء: ﴿لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ [آل عمران: 195]، وفي الكسب والذمة المالية: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: 32].
وميزت بينهما إذا مالت التكاليف لصالح طرف: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]، «ومسوغ هذا التفاوت أن الأخ مسئول عن نفقة أخته وأن الابن يعول من لا عائل له من أهله…».
كما فرقت بينهما في باب الشهادة، وذلك لأن عمل الشهادة عمل شاق وفيه كلفة شديدة قد لا تقوم لها المرأة في كل حال: «والقضية في الشهادة هي قضية العدل وحماية الحق والمصلحة… وليس بالقاضي العادل من يعرض له هذا المبدأ فيقضي بالمساواة بين الجنسين في الاستجابة لنوازع الحس والانقياد لنوازع العاطفة، والاسترسال مع مغريات الشعور من رغبة واهية، فالمبدأ الذي ينبغي للقاضي العادل أن يرعاه هنا -حريصًا على حقوق الناس- أن يعلم أن النساء لا يملكن من عواطفهن ما يملكه الرجال».
ويرد الأستاذ العقاد على دعوى أن من النساء من ترجح الرجال عقلًا وتملكًا لعواطفها فيقول: «ولقد يوجد من النساء من تقوم شهادة إحداهن بشهادة ألف رجل، ولقد يوجد من الرجال ألوف لا تقبل منهم شهادة، ولكن المشرع الذي يقول –لأجل ذلك- إن مزاج الرجل ومزاج المرأة سواء في الحس والعاطفة، يتقبل من مغالطة الواقع والضمير ما يبطل تشريعه وينحيه عن هذا المقام».
يرى الأستاذ العقاد أن القول بالمساواة المطلقة سيؤدي بالضرورة إلى فساد المجتمع، وسيدفع ثمن ذلك الرجل والمرأة على السواء، والأسرة كاملة، والمجتمع جملة.
وأنا في نهاية هذا العرض لن أعلق وأحكم، بل سأترك للقارئ عمومًا ذكرًا كان أو أنثى الحكم والموازنة، لكني أود أن أسجل بعض الأمور:
1- لقد مثل الأستاذ العقاد تيارًا ومنهجًا ليبراليًّا بصورة عامة، وكان يدافع عن الحرية ومبدأ الديموقراطية، حتى إنه هاجم وزارة علي ماهر باشا ومن خلفها الملك فاروق لانحيازهما للألمان في الحرب ضد الإنجليز، وكان يرى أن انتصار الإنجليز انتصار للحرية. ومَثَّل الشيخ الغزالي نموذج رجل الدين شكلًا وموضوعًا، ورجل الدين في صورته الذهنية هو رجل محافظ (بالمفهوم الحديث)، ومع ذلك نجد أن كلًّا منهما في آرائه قد فارق المتوقع منه، فنرى الشيخ الغزالي أكثر ليبرالية من العقاد، ونرى العقاد أكثر محافظة (المحافظة بمفهومها المنتشر) من الشيخ الغزالي.
2- أن دوافع كلا العالمين كانت حسنة، وهي واحدة في ذات الوقت؛ فما دفع العقاد لتحفظه هو ما دفع الغزالي لتحرره، وما ذاك إلا “التطرف”، والتطرف هنا آت من اتجاهين؛ اتجاه لا يرى المرأة إلا مخلوقًا تابعًا وليس أصيلًا في المجتمع، واتجاه لا يرى حقوق المرأة إلا في ضوء إضعاف حقوق الرجل.
3- أن كلا العالمين له دفوع عقلية منطقية، وأن كليهما كان يعتمد الشريعة روحًا ونصًّا، دليلًا ومقصدًا في طرح ما يراه.
4- أن من الملاحظ أن التجربة الشخصية، والممارسة العامة كانت حاضرة بين السطور فيما كتبه العالمان، وأن تأثير الحضارة الغربية كان حاضرًا أيضًا سلبًا أو إيجابًا، قبولًا أو دفعًا.
د/ خالد نصر