بنو إسرائيل بين القرآن والتوراة
مع هَبَّة التطبيع التي اجتاحت واجتالت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، والتي افتتحها السادات منفردًا في سنة 1979م بمعاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وجاءت اتفاقية أوسلو من بعدُ لتفتح نصف الباب أمام هذا التطبيع، حتى إذا ما انهزم الربيع العربي انفتح الباب على مصراعيه أمام التطبيع، وظهر إلى الفضاء العلني ما كان مخفيًّا عن الشعوب.
أقول: مع هبة التطبيع الأخيرة ظهرت أصوات عدة من مدعي الثقافة والفكر تدافع عن الصهيونية وعن حق إسرائيل في الوجود، وعن فضيلة التطبيع معها، وعند هذا القدر نستطيع أن نفهم الدوافع -وإن كنا لا نقدرها- المادية والسياسية خلف هذه الدعاوى، فلربما رأى هؤلاء النفر في التعاون مع هذا الكيان ما لا تراه الأمة مجتمعة خلا هؤلاء النفر ومن يسوسهم!!
لكن العجب العجاب أن بعضًا ممن حاول أن يُجَوِّد ويَتَزَيَّد في دعم هذه الفكرة المرفوضة من جمهور الأمة لجأ إلى القرآن الكريم كي يبرر حق الصهاينة في إقامة دولة في فلسطين، وراح يستدل بالقرآن ويفسره لخدمة هذا الغرض.
والحق أن هؤلاء النفر فضلًا عن جهلهم وعجمة فهمهم للنص القرآني، هم من الغباء بمكان إذ يحيلون على ما ورد في القرآن في شأن بني إسرائيل.
إذ إن القرآن قد استوفى القول في بني إسرائيل، وفي صفاتهم وأخلاقهم، وما كان منهم وما سيكون، ما يجعل استدلالهم على غير ما طلبوه، واجتهدوا في إثباته.
لقد جمع البعض في مقالات وفي مؤلفات صفات بني إسرائيل في القرآن الكريم، وهي في مجملها صفات سلبية استحقوا بسببها العقوبة عدة مرات كالعبودية، والقتل، والموات، والتيه، والمذلة، والطرد، والسلب بعد العطية وغيرها مما ورد في القرآن الكريم.
وقد يقول قائل: إن ما ورد في القرآن إنما هو من حقد المسلمين على هؤلاء القوم، ومن فرط عداوتهم لهم، والإنصاف أن ننظر لصفات القوم في ضوء تراثهم وموروثهم.
وأنا أوافق هذا، وأرى أنه من الإنصاف العلمي والموضوعي، ولذا سأسطر في هذا المقال مقارنة بين ما ورد من صفات سلبية عن بني إسرائيل في القرآن، وما ورد في كتب اليهود المقدسة، لنقيم ميزان العدل. وما سنذكره هنا ليس على سبيل الحصر أو الاستقراء الكامل، بل هو من باب التمثيل فقط، وهو مجرد تذكير للعاقل وتنبيه للغافل وتفنيد للقائل، وجواب للسائل.
كتب بني إسرائيل المقدسة:
إذا كانت التوراة هي الكتاب المنزل على بني إسرائيل وعلى سيدنا موسى فمن المفهوم أن يكون الحديث عن هذه الأمة وافيًا مفصلًا فيها، وكذلك في الكتب التي أنزلت على أنبيائهم بطريق أو بآخر.
والتوراة عند الإطلاق تنصرف إلى النص المكتوب بمقابل التوراة الشفهية، والتي يُطْلَق عليها التلمود، والذي هو مجموعة من التفسيرات والتعاليم التي تم تناقلها وفقًا للتقاليد الحاخامية.
والتوراة المكتوبة تتكون من خمسة أسفار، كل سفر يتكون من إصحاحات، وكل إصحاح يتكون من آيات.
والأسفار الخمسة هي: التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية.
وبالإضافة إلى النص الرئيسي للتوراة هناك ما يسمى أسفار الأنبياء، وهي كتب تحوي وعظًا وقصصًا وسطرًا لتاريخ أنبياء اليهود وملوكهم، وهذه الكتب مما يقرأ علانية في الكنيس والمهرجانات والأعياد اليهودية مع نص التوراة.
وتنقسم أسفار الأنبياء إلى نوعين:
أسفار الأنبياء الأوائل: وهي سفر يشوع، وسفر القضاة، وسفر صموئيل الأول والثاني، وسفر الملوك.
أسفار الأنبياء الأواخر: وتشمل أسفار إشعياء، وإرميا، وحزقيال، ودانيال، وأسفار الأنبياء الاثني عشر.
صفات بني إسرائيل بين القرآن والتوراة والأسفار:
1) الجرأة والتمرد على الله خالقهم:
وفي هذا نجد في القرآن:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: 64].
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: 181].
أما عندهم فنجد:
(قال الرب لي [أي حزقيال، ويقال إنه ذو الكفل عندنا]: يا ابن آدم أنا مرسلك إلى بني إسرائيل إلى أمة متمردة، قد تمردت عليَّ هم وآباؤهم) [سفر حزقيال].
(وكلم الرب موسى وهارون قائلا: حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ) [سفر العدد].
(لستم واثقين بالرب إلهكم السائر أمامكم في الطريق) [سفر التثنية].
(لأنهم يقولون الرب قد ترك الأرض والرب لا يرى) [سفر حزقيال].
2) شعب لا عهد له ولا ميثاق:
قال الله في هذا في كتابه:
﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ [البقرة: 100].
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ [المائدة: 13].
وورد عندهم مثله:
ففي سفر الخروج: (إني أدفع إلى أيديكم سكان الأرض، فتطردهم من أمامك. لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهدًا، لا يسكنوا في أرضك).
وفي التثنية: (سبع شعوب أكثر وأعظم منك، ودفعهم الرب إلهك أمامك، وضَرَبتَهُم، فإنك تُحرِّمهم. لا تقطع لهم عهدًا ولا تُشفِق عليهم).
وفي التثنية أيضا: (احترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض التي أنت آتٍ إليها).
وفيه أيضًا في وصف بني إسرائيل: (إنهم جيل متقلب، أولاد لا أمانة فيهم).
3) أنهم قتلة الأنبياء:
وقد ذكر القرآن الكريم هذا في مواضع منها:
﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة: 70].
﴿وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ [النساء: 155].
وعندهم مثله الكثير:
فمنه في سفر إرميا: (أكل سيفكم أنبياءكم كأسد مهلك).
وفي سفر الملوك: (فقال: قد غرت غيرة للرب إله الجنود، لأَن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها).
وفي سفر نحميا: (وعصوا وتمردوا عليك وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءك الذين أشهدوا عليهم ليردوهم إليك وعملوا إهانة عظيمة).
4) شعب قاسي القلب لا يعرف الرحمة يقتل للقتل:
ومما ورد في القرآن قوله تعالى:
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ [المائدة: 13].
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: 74].
﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [البقرة: 85]
وعندهم في كتبهم أشد من ذلك:
ففي سفر العدد: (وقال لهم موسى: هل أبقيتم كل أنثى حية… فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة).
وفي صموئيل الأول: (فالآن اذهب واضرب عماليق .. ولا تعف عنهم بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحمارًا).
وفي سفر العدد: (هوذا شعب يقوم كلبوة ويرتفع كأسد، لا ينام حتى يأكل فريسة ويشرب دم قتلى).
5) شعب يميل إلى الشرك والوثنية:
نجد ذلك في القرآن مرات منها:
﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة: 51، 92].
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: 30].
﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: 138].
ومثله في التوراة:
ففي سفر الخروج: (فقال الرب لموسى: اذهب انزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر زاغوا سريعًا عن الطريق الذي أوصيتهم به، صنعوا لهم عجلًا مسبوكًا وسجدوا له وذبحوا له).
وفي إرميا: (ها إنكم متكلون على كلام الكذب الذي لا ينفع، أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبًا، وتبخرون للبعل، وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها).
وفي إرميا أيضًا: (أما ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا وفي شوارع أورشليم، الأبناء يلتقطون حطبًا، والآباء يوقدون النار، والنساء يعجن العجين ليصنعن كعكًا لملكة السماوات ولسكب سكائب لآلهة أخرى لكي يغيظوني).
6) اليهود أمة متمردة على الأوامر والنواهي:
جاء عنهم في القرآن:
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: 55].
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا … قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 22، 24].
﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: 58-59].
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة: 65].
ونجد في حزقيال: (قال الرب لي [أي حزقيال]: يا ابن آدم أنا مرسلك إلى بني إسرائيل إلى أمة متمردة، قد تمردت عليَّ هم وآباؤهم).
وفي حزقيال أيضًا: (وأنت ساكن بين العقارب من كلامهم لا تخف، ومن وجوههم لا ترتعب لأنهم بيت متمرد).
وفي سفر التثنية على لسان موسى: (وحين أرسلكم الرب من قادش برنيع قائلا: اصعدوا امتلكوا الأرض التي أعطيتكم، عصيتم قول الرب إلهكم ولم تصدقوه ولم تسمعوا لقوله، قد كنتم تعصون الرب منذ يوم عرفتكم).
7) منطق اليهود وفعلهم أن الجريمة جائزة مع الأغيار:
قال الله تعالى عنهم في القرآن:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: 75].
﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: 73].
وفي التوراة نجد طريقة تعاملهم ومنهجهم في ذلك:
ففي سفر اللاويين: (أبناء المستوطنين تستعبدونهم إلى الدهر).
وفي سفر القضاة: (فهرب أدوني بازق [ملك أورشليم] فتبعوه وأمسكوه [أي جماعة يوشع] وقطعوا أَبَاهِمَ [جمع إبهام] يديه ورجليه). وفي يشوع: (وأحرق يشوع حاصور بالنار) [مدينة قديمة في الشمال الشرقي من مدينة صفد].
وفي يشوع أيضًا في الإصحاح العاشر يذكر المدن التي دخلها يشوع [يوشع] ودمرها بالكامل وقتل من فيها.
ومنها مدن: مَقّيدة، وأريحا، ولبنة، ولخيش، وعجلون، وحبرون، ودبير.
(فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها، لم يبق شاردًا، حرم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل).
وهذا غيض من فيض، بل إن الذي يقرأ التوراة وكتب الأسفار الأخرى يجد أنها زادت في ذكر الصفات السلبية لهؤلاء القوم؛ فوصفتهم بالزناة والسراق والغشاشين والمتآمرين والساعين في إفساد الاقتصاد، وغير ذلك مما يظهر جليًّا في آيات التوراة والكتب الأخرى المقدسة لديهم.
كل هذا مما يتلونه في صلواتهم وأعيادهم، ثم يأتي من يزعم أننا نظلمهم أو نفتري عليهم! ألا ساء ما يحكمون، إن يقولون إلا كذبًا.
د/ خالد نصر