نظرات في غدير خُمٍّ

  يُعد حديث الغدير من أكثر الأحاديث النبوية إثارة للجدل في تاريخ الفكر الإسلامي، إذ يُمثل نقطة افتراق جوهرية بين الرؤية السنية والشيعية لموضوع الإمامة والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. فعلى الرغم من اتفاق الفريقين على ثبوت أصل الحديث في عدد من مصادرهم، إلا أن الاختلاف العميق يكمن في تفسير مدلوله، وتأويل لفظ “مولى”، وفهم السياق الذي ورد فيه.
فالشيعة الإمامية يرون في الحديث إعلانًا صريحًا من النبي صلى الله عليه وسلم بولاية علي بن أبي طالب وخلافته من بعده، بينما يرى أهل السنة أن الحديث بيان لفضل عَلِيٍّ ومكانته، دون أن يتضمن نصًّا على إمامته أو تقديمه على سائر الصحابة. ومن هذا المنطلق، تشكل دراسة هذا الحديث مدخلًا لفهم جذور الخلاف العقدي بين المدرستين، وطبيعة الاستدلال التاريخي والنصي الذي استند إليه كل منهما.
في هذا المقال، نحاول أن نستعرض أبرز أوجه الاتفاق والاختلاف حول حديث الغدير، من خلال قراءة متأنية للنصوص، والمواقف التاريخية، بهدف تقديم عرض موضوعي يُسهم في بناء وعي تاريخي وفقهي متوازن بعيدًا عن التشنج والخصومة المذهبية.
أولا: روايات أهل السنة في قصة الغدير:
– الرواية الأولى (مسلم عن زيد بن أرقم):
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبًا بماء يدعى خُمًّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: «أَمَّا بَعْدُ، أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي».
– الرواية الثانية (أحمد عن أبي سعيد الخدري):
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، الثَّقَلَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، كِتَابَ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي أَلَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ».
وفي رواية: « إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي، كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا».
– الرواية الثالثة (أحمد عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع):
(نَشَدَ عَلِىٌّ النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ: مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إِلَّا قَامَ، قَالَ: فَقَامَ مِنْ قِبَلِ سَعِيدٍ سِتَّةٌ، وَمِنْ قِبَلِ زَيْدٍ سِتَّةٌ، فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِعَلِيِّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «أَلَيْسَ اللَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»).
وفي رواية: وزاد فيه: «وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ».
– الرواية الرابعة (ابن ماجه عن البراء بن عازب):
(أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَمَرَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «فَهَذَا وَلِىُّ مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»).
– الرواية الخامسة (أحمد من حديث بريدة):
(غزوتُ مع عليٍّ اليمنَ، فرأيت منه جَفْوَةً، فلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ عليًّا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير، فقال: «يَا بُرَيْدَةُ، ألستُ أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»).
– الرواية السادسة (النسائي عن ميمون أبي عبد الله):
(كنت عند زيد بن أرقم، فجاء رجل من أقصى الفسطاط فسأله عن ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَسْتُ أَوْلَى بالمؤمنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟» قالوا: بلى. قال: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ». قال ميمون: فحدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»).
وقد نقل غير واحد من رواة الحديث هذه الروايات باختلاف في الألفاظ، وإن كان المضمون مكرر الروايات التي ذكرناها آنفا، ومن هؤلاء النسائي في السنن الكبرى، وأبو بكر بن أبي عاصم في السنة، والبزار في مسنده المسمى البحر الزخار، وأبو يعلى في المسند، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى.
ثانيا: رواية حديث الغدير عند الشيعة:
احتفى الشيعة بقصة الغدير ورووا فيها روايات كثيرة حتى أوصلها المجلسي في بحار الأنوار لأكثر من مائة رواية، وألف فيها الأمينيّ كتابًا من أحد عشر مجلدا سماه (الغدير في الكتاب والسنة والأدب)، وهي واردة في كبار كتب الشيعة ومنها: الكافي للكليني، والاحتجاج للطبرسي، والخصال والأمالي وعيون الأخبار للشيخ الصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي وغيرها.
١- رواية الطبرسي في الاحتجاج:
في خطبة طويلة للنبي صلى الله عليه جمع لها الناس عند غدير خم، وفي آخرها قال: «أيها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار». ثم قال: «ألا فليبلغ الشاهد الغائب».
٢- رواية طويلة ذكرها الطبرسي في الاحتجاج، والصدوق في الأمالي، والحلي في كشف اليقين وغيرهم. ومختصرها الآتي:
لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خُمّ، نادى: الصلاة جامعة، ثم خطب خطبة رفع فيها صوته، وعيّن علي بن أبي طالب خليفة له من بعده، وقال: «من كنت مولاه، فعليّ مولاه…». فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقبلنا منك، وأمرتنا بالصلاة والصيام والحج والزكاة، فقبلناها، ثم لم ترضَ حتى رفعتَ بضَبْعِ [بعضد] ابن عمك ففضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله؟
فقال النبي: «والذي لا إله إلا هو، إنه من الله، وليس مني». فقال الحارث: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فما وصل إلى راحلته حتى رجمتْهُ صخرةٌ من السماء فقتلته، فأنزل الله عز وجل قوله: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ۝ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ [المعارج: 1-2].
٣- روايات أخرى عندهم ولكنها تنص على كلمة (وصي) (إمامكم من بعدي) (ولي كل مؤمن).
ثالثا: مناسبة جمع النبي صلى الله عليه وسلم للناس عند غدير خم:
وقعت خطبة الغدير بتاريخ ١٨ من ذي الحجة، السنة العاشرة للهجرة في طريق عودة النبي صلى الله عليه وسلم من حجته الأخيرة (حجة الوداع).
وغدير خم: هو موضع يقع بين مكة والمدينة، قرب مفترق طرق يتفرّع منه المسافرون نحو مختلف الجهات (المدينة، العراق، اليمن). موضع مكشوف، قليل الظلّ، وكان فيه بركة ماء (غدير).
وكان سبب الخطبة شكوى من عدة صحابة من علي بن أبي طالب حين أرسله الرسول إلى اليمن، فحاز غنائم، ووقع بينه وبين بعض الصحابة سوء فهم بسبب القسمة، وبسبب بعض تصرفات لم تعجب الصحابة، فتكلموا في علي بالسوء، فأراد النبي أن يبين موقفه مما حدث، ويؤكد على ثقته في علي رضي الله عنه.
فمن تلك الروايات التي توضح ذلك:
١- ما رواه أحمد والنسائي والطحاوي عن بريدة قال:
(لم يكن أحد من الناس أبغض إلي من علي بن أبي طالب حتى أني أحببت رجلا من قريش لا أحبه إلا على بغض علي، فبعث ذلك الرجل على خيل، فصحبته، وما أصحبه إلا على بغضاء علي، فأصاب سبيًا، فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث له من يخمسه، فبعث إلينا عليًّا رضي الله عنه، وفي السبي وصيفة من أفضل السبي، فلما خمسه صارت الوصيفة في الخمس، ثم خَمَّسَ فصارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خَمَّسَ فصارت في آل علي، فأتانا ورأسه يقطر، فقلنا: ما هذا؟ فقال: ألم تروا إلى الوصيفة، صارت في الخمس، ثم صارت في آل بيت النبي عليه السلام، ثم صارت في آل علي، وقعتُ عليها، فكتب وبعثني مصدقًا لكتابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما قال علي، فجعلت أقول عليه، ويقول: صدق، وأقول ويقول: صدق، فأمسك بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أَتَبْغَضُ عَلِيًّا؟» فقلت: نعم، فقال: «لَا تُبْغِضْهُ، وَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ فَازْدَدْ لَهُ حُبًّا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِيٍّ فِي الخُمُسِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيفَةٍ»، فما كان أحدٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من عَلِيٍّ. قال عبد الله بن بريدة: والله ما في الحديث بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي).
٢- ما نقله ابن كثير من قصة قسمة حلل البز:
وفيها: لما كانت حجة الوداع رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي وساق معه الهدي، فتعجل ليلقى النبي بمكة واستخلف رجلا على الجند، وكان معهم الغنائم، فكسا هذا الرجل الجند حللا من البز الذي حازه علي من اليمن.
فلما رجع الجيش لمكة خرج علي يلقاهم فإذا عليهم الحلل، فقال لنائبه: ويلك ما هذا ؟ فقال الرجل: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا على الناس.
فأمره علي أن ينزع الأثواب من الناس، فاشتكى الجند.
فلما علم النبي قام في الناس خطيبا وقال: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ».
ويفهم من هذه الروايات أنها متعلقة بحادثة متعلقة بسلوك من سيدنا علي رضي الله عنه، فسره بعض الصحابة بصورة خاطئة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيل هذا الإلباس ويؤكد على مكانة علي رضي الله عنه، ولا علاقة لها بمسألة الخلافة.
رابعا: مناقشة دعاوى الشيعة في قصة غدير خم:
ادعى الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الناس ليعلمهم بولاية علي من بعده، وهذا منقوض بأمور منها:
١- لو أراد النبي أن يعلم الناس بتوليته عليًّا من بعده ويشهد على ذلك، لماذا انتظر الذهاب لمكان بعيد عن مكة، فغدير خُمّ في وادٍ بين مكة والمدينة، تحديدًا في منطقة الجُحفة (تقع شمال مكة، وجنوب المدينة) أي على بعد نحو ١٨٣ كم شمال مكة المكرمة وحوالي ٢٥٠ كم جنوب المدينة المنورة، وهو قريب من طريق الهجرة القديم، وقريب من ميقات الجحفة المعروف الآن باسم “رابغ”.
ألم يكن من الأفضل إعلان ذلك في يوم عرفة حيث أكثر من مائة ألف حاج من كل البقاع، وقد خطب خطبة ذكر فيها الكثير من الأمور ولم يذكر موضوع الولاية؟
ألم يكن من الأفضل أيضا أن ينتظر العودة بالناس للمدينة فيخطب في مسجده ويشهد على هذا المهاجرين والأنصار ويأخذ منهم البيعة في حال الحضر والراحة؟
٢- في أمر هام كولاية المسلمين من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، هل يصح استعمال جمل محتملة لتعبر عن الاستخلاف؛ مثل «من كنت مولاه فعلي مولاه»، هل كان النبي عاجزًا أن يصرح بلفظ الخلافة صراحة، ويأخذ له البيعة من كبار الصحابة في ذلك الوقت، ويبدأ علي عمله كولي العهد كما هو المتوقع؟
وإذا كان الأمر بهذا الوضوح لماذا احتاج كتبة الإمامية تأويل كلمة (مولى) لتعبر عن الولاية؟
٣- إذا كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقصود بهذا الكلام وشاهد عليه وقبل تحمل أمانة الوصية والخلافة، لماذا لم يحتج على الصحابة بها حين تولى أبو بكر، وساعتها يكون عنده من الشهود المئات ؟
وكيف يسكت علي عن وصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وإن تآمر بعض الصحابة على خلاف ذلك كما يزعم الإمامية؟ هل كان علي بالرجل الضعيف الذي يسكت على حقه وعلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمدة خمس وعشرين سنة، تخللها ثلاثة خلفاء غيره؟
ولماذا قبل أن يكون واحدًا من ستة بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يعلم أنه الوصي من قديم وقد زال سلطان أبي بكر وعمر وكان الأمر أسهل مع من بقي؟
أليس في كل ذلك تنقيص من سيدنا علي وأنه ليس أهلا للإمانة التي اختاره النبي لها على زعم الشيعة؟
٤- كان الأنصار حضورًا في حادثة الغدير هذه، ولو فهموا منها ولاية علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلماذا اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ليختاروا خليفته، وهم من هم في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم؟
ولماذا لم يحتجوا على كلام أبي بكر حين ذكرهم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في قريش لمكانتها من العرب، لماذا لم يذكروه بولاية علي على مقتضى حادثة الغدير، وساعتها ينتهي الخلاف؟
٥- جاء في الروايات الشيعية الكثير من الأخطاء منها:
● قالوا: أنزل الله قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ ‌بَلِّغْ ‌مَا ‌أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: 67] بمناسبة تردد النبي في تسمية علي بالولاية من بعده فقالوا: نزلت يوم الثامن عشر من ذي الحجة تأمره بتنصيب علي والجهر بذلك، وأن الله يعصمه من خلف المخالف.
وأيدوا ذلك ببعض الروايات التي تدل على ذلك، ومنها رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب. أي في أمر ولايته.
والتحقيق أن عطية بن سعد العوفي معروف بتشيعه وضعفه العلماء ومنهم يحيى بن معين وأحمد والنسائي وغيرهم.
ليس هذا فقط فقد كان يدلس، كان يحدث: حدثني أبو سعيد، ولا يذكر من يقصد، والحقيقة أنه يقصد: أبو سعيد محمد بن السائب الكلبي وهو من المتروكين، فيدلس اسمه مع أبي سعيد الخدري.
وإذا كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه المنسوب إليه الرواية يعلم أن الآية نزلت في ولاية علي، لماذا لم يشهد بهذا وقت تولية أبي بكر وغيره؟ وإذا قلنا: لعله كان خائفا، فلماذا لم يخرج مع علي رضي الله عنه ويقاتل معه في الجمل وفي صفين، ولماذا طلب من الحسين بن علي عليه السلام عدم الخروج للكوفة؟
فهل يصح أن نستدل بقول الراوي ونتجاهل فعله؟!
وكذلك اعتمدوا على رواية الحسين بن حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أنها نزلت في علي بن أبي طالب.
والتحقيق أيضا أن الحسين بن حيان الواسطي ضعيف، ضعفه العقيلي والذهبي وابن حجر، والكلبي قد ذكرنا تضعيف العلماء له، وقال عنه أحمد بن حنبل: أكذب الناس.
ولذلك نجد أن الطوسي في التبيان ذكر هذه الوجه في سبب نزول الآية مع ثلاثة أوجه أخرى، بل جعله آخر الوجوه.
والصواب أن هذه الآية اختلف في سبب نزولها على أقوال:
– أنها نزلت بصورة عامة وليست مرتبطة بحدث معين تحفيزا للنبي لإبلاغ الرسالة، كغيرها من الآيات التي تحثه على أداء واجب البلاغ.
– أنها نزلت حين وجده أحد الكفار منفردًا وأراد أن يقتله، وقال له: يا محمد من يعصمك مني ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله». فسقط السيف من يد الأعرابي… فأنزل الله الآية.
-وقيل: نزلت لأن الله أراد أن يرفع عن الصحابة كلفة حراسته وكانوا يتناوبون على ذلك، فأنزل الله الآية فصرفهم.
– وقيل: إنها نزلت بسبب اليهود لما قالوا فيه أنه يريد أن يتشبه بعيسى بن مريم وأن يصير حنّانا، فسكت عنهم فأنزل الله الآية.
● ومن أخطائهم أيضا قالوا: أنزل الله أيضًا بعد تنصيب علي يوم الغدير قوله تعالى ﴿‌الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ ‌دِينَكُمْ ‌وَأَتْمَمْتُ ‌عَلَيْكُمْ ‌نِعْمَتِي ﴾ [المائدة: 3] ومع أن الطوسي نقل ذلك أيضا إلا أنه جعله آخر الوجوه في سبب النزول وذكر قبله أنها نزلت يوم عرفة من ذي الحجة وأن النبي عاش بعدها لربيع.
وتكاد تطبق كلمة المفسرين على ذلك؛ نقل ذلك مقاتل بن سليمان، ونقله الصنعاني عن قتادة، وذكره الجصاص الرازي، وعلي بن يحيى السمرقندي، ونقله الثعلبي عن الشعبي، ونقل ذلك الماوردي عن ابن عباس وأسماء بنت يزيد، وذكر الواحدي أنها نزلت يوم عرفة، والبغوي في تفسيره ونقل قول ابن عباس: كان في هذا اليوم خمسة أعياد: جمعة وعرفة وعيد لليهود وللنصارى وللمجوس، وذكر نزولها في يوم عرفة ابن عطية في محرره. وهذا ما عليه جمهور المفسرين، حتى من كان يميل للتشيع من المفسرين كالطبرسي، فإنه نقل فيها وجوها؛ منها ما ذكره الشيعة، ولكنه ذكر أيضا أنها نزلت في يوم عرفة، ونقل عن ابن عباس والسدي والجبائي أنه لم ينزل بعدها شيء من الأحكام أو الفرائض، وأن النبي توفي بعدها بواحد وثمانين يومًا.
● ومن أخطائهم أيضا قولهم أن الله أنزل قوله تعالى: ﴿‌سَأَلَ ‌سَائِلٌ ‌بِعَذَابٍ ‌وَاقِعٍ﴾ [المعارج: 1] في الحارث بن النعمان الفهري الذي اعترض على ولاية علي. وهذا خطأ بين من وجوه:
– قصة الغدير إنما كانت بعد حجة الوداع بالإجماع، والروايات تقول: إنه لما شاعت قصة الغدير جاء الحارث وهو بالأبطح، والأبطح بمكة، مع أن اللازم أن يكون مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.
– سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم كما نقل ذلك جمهور المفسرين، وكذلك كما يشعر جو السورة.
-إن قول الحارث بن النعمان المشار إليه في القصة عندهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، نزلت عقيب بدر بالاتفاق. وقصة الغدير كانت بعد ذلك بسنين.
– إن قوله: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكة ومنهم النضر بن الحارث وليس الحارث بن النعمان، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ‌وَأَنْتَ ‌فِيهِمْ﴾ [الأنفال: 33]، ولو صح رجمهم بالحجارة لكانت آية كآية أصحاب الفيل، ومثلها تتوفر الدواعي على نقله، مع أن أكثر المصنفين في العلم وأرباب المسانيد والصحاح، والفضائل والتفسير والسير، قد أهملوا هذه القضية، فلا تروى إلا بهذا الإسناد المنكر.
– إن الحارث المذكور في الرواية كان مسلمًا حسبما ظهر في خطابه المذكور مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم بالضرورة أن أحدًا من المسلمين لم يصبه عذاب على عهد النبي، بل وقع على بعض من دعا عليهم النبي كأبي زمعة وابن الطلاطلة والحكم بن أبي العاص ومن على شاكلتهم.
– إن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، ولم يذكر في الاستيعاب، ولا ذكره ابن منده، وأبو نعيم وأبو موسى في تآليفهم في أسماء الصحابة.
فالحارث بن النعمان الفهري شخصية غير موثقة من حيث الصحبة، ولا وجود له، لا سيما أن نسبه فهريًّا، أي أنه من قريش، ويصعب وجود فهري قرشي مجهول بين الصحابة في كتب التراجم.
ولا شك أن هذه أخطاء واضحة وتصادم المتفق عليه المستقر مما يطعن في الرواية من جهة المتن.
٦- استدلال الإمامية بما جاء في الروايات السنية من قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» وأن هذا دلالة على الولاية لأن المولى هو المتصرف.
وأضافوا إليه أن النبي قد قال لعلي بشهادة روايات العامة (أهل السنة) فيما رواه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال لعلي: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى».
والحق أن هذا من أضعف الاستدلال للآتي:
– أن قول النبي صلى الله عليه وسلم وتشبيه مكانة علي منه بمكانة هارون من موسى كان له سياق خاص، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على الخروج لتبوك واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب، وكان عَلِيٌّ مريضًا، فأشفق عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد علي الخروج معه للغزو واستشعر مرارة القعود كما جاء في رواية الشيخين أنه قال للنبي: (… أتخلفني في النساء والصبيان؟!)، فرد عليه النبي أن موسى لم يأخذ هارون معه حين ذهب مع القوم لاستلام أمر الله، فالسياق كله سياق تشبيه حال بحال لا حالة بحالة، ولئلا يفهم الكلام خطأ قال النبي: «إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي». فالعلاقة علاقة استخلاف في حال الغياب، لا حال وراثة مكان. كما أن هارون في الواقع لم يرث موسى في الولاية على بني إسرائيل، بل ورثه يوشع بن نون كما هو معروف، وهارون وموسى كلاهما مات في التيه، بل إن هارون مات قبل موسى عليه السلام.
– أن كلمة مولى في الاستعمال اللغوي محتملة، وتحتمل أكثر من عشرين معنى منها: الرب والمالك والسيد والمنعم والصهر، بل وتعني العبد والتابع، وتعني الحليف وتعني الجار وتعني المحرر من العبودية وغير ذلك. فهل يعقل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم المشترك اللفظي في أمر مثل ولاية المسلمين، وهو يعلم أن الناس وأصحاب الأغراض قد يسيئون تفسيره.
على أن وزن (مفعل) لم يأت في العربية بمعنى أفعل، فتكون مولى بمعنى أولى!
قال تعالى: ﴿‌إِنَّ ‌أَوْلَى ‌النَّاسِ ‌بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: 68]، وظاهر أن هذا لا يعني الذين اتبعوا إبراهيم أولى بالولاية، وإنما المقصود أن إبراهيم أقرب لهؤلاء المذكورين من غيرهم. فيكون المعنى هنا منصرفًا للمحبة بدليل أنه قال بعد ذلك: «اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» وهذا يدل على أن الكلام منصرف للمحبة، وإلا كان المعنى أيضا: اللهم وَلِّ من ولاه، فيكون كل من والى عليًّا بموالاته مستحقًّا للحكم والتصرف بدلالة كلمة (وال)! وهذا لا يعقل ولا يصح.
وقد استعمل النبي كلمة (مولى) مرات أخرى ولم يفهم منها أنه قصد الولاية، لا العامة ولا الخاصة، ومن ذلك:
ما رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِىَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ولا يخفى هنا أنه يقصد الحلف.
وكذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي رافع أن النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بعث رجلًا على الصدقة من بني مخزومٍ فقالَ لأبي رافع: اصحَبني كيما تُصِيبَ منها. فقالَ: لا حتَّى آتيَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأسألُهُ فأتاهُ فسألَهُ فقالَ: «إنَّ الصَّدقةِ لا تحلُّ لَنا أهلَ البيتِ وإنَّ مولَى القومِ من أنفسِهِم»). والمولى هنا هو التابع سواء كان عبدا أو حليفا.
وهذا ما فهمه كل من سمع الحديث أو سمعه بعد ذلك، ولذلك روى أحمد بسنده عن رياح بن الحارث قال: (جاء رهطٌ إلى عليٍّ بالرَّحْبةِ، فقالوا: السلامُ عليكَ يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قومٌ عَرَبٌ؟ قالوا: سمِعْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ غديرِ خُمٍّ يقول: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» قال رياحٌ: فلما مضَوا تبعتُهم فسألتُ: مَن هؤلاءِ ؟ قالوا: نفرٌ من الأنصارِ فيهم أبو أيوبَ الأنصاريُّ.
ولا يقول عاقل أن قوله تعالى: ﴿‌وَالْمُؤْمِنُونَ ‌وَالْمُؤْمِنَاتُ ‌بَعْضُهُمْ ‌أَوْلِيَاءُ ‌بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، أي رؤساء وزعماء على بعضهم بعضا، بل أحباء.
٧- أن ما يقوله الإمامية هنا يتناقض مع قولهم في موضع آخر فيما يسمونه بـ(رزية الخميس)، وتفصيل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب في مرضه أن يأتوه بكتاب أو قرطاس ليكتب لهم شيئًا “لن يضلوا بعده”. فحصل اختلاف بين الحاضرين:
بعضهم قال: “قرّبوا له الكتاب”.
وبعضهم قال: “إن النبي يهجر”، أي اشتد عليه الوجع ولا يدري ما يقول.
فغضب النبي وقال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه».
قال الشيعة: كان يطلب قرطاسًا ليكتب فيه ولاية علي، فرفض ذلك عمر بن الخطاب وقال ما قال!
والسؤال: إذا كان النبي قد نص من قبل في حادثة الغدير على ولاية علي على مشهد من مئات الصحابة، وشهدوا كلهم وباركوا لعلي كما ذكرت المصادر الشيعية، فلماذا يكتب كتابا آخر ؟ وهل نسخ الحكم الأول ؟ فهذا الاستدلال والاستنباط ينقض مسألة الاتفاق على تسمية علي يوم الغدير.
8- يرد كذلك على ذلك ما رواه البخاري بسنده عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أصبح بحمد الله بارئًا. قال: فأخذ عباس بن عبد المطلب بيده فقال: أرأيتك؟ فأنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى في مرضه هذا؛ إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله إن سألناه فمنعناها، لا يعطيناها الناس بعده أبدا، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا.
ومع أن الشيعة لا يؤمنون بهذه الرواية، إلا أن الشاهد منها هو: لماذا لم يطلب عليّ أو العباس من النبي صلى الله عليه وسلم صراحةً أن يُولِّي أحدهما مكانه حين مرض، فيتعود الناس على ولايته وهو حيّ؟!
9- إن قصة الغدير بصورتها في التراث الشيعي تُفضي إلى الطعن –والعياذ بالله– في النبي صلى الله عليه وسلم وفي علي رضي الله عنه. وبيان ذلك في النقطتين الآتيتين:
أولًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم -بحسب الرواية الشيعية- قد فشل في دعوته بعد كل تلك السنين، إذ نصّ على خلافة علي وأمر الصحابة بولايته، فلم يكد يموت حتى خالفه جمهورهم، ولم يوفِّ لعلي إلا نفرٌ قليل. فيُروى عندهم: “ما وفى لعلي إلا أربعة: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار”، وفي رواية: “وخمسة”، يُضاف إليهم: حذيفة أو خزيمة.
فكيف ينقلب معظم الصحابة على أعقابهم مباشرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، إن لم تكن هذه الأمة شبيهة ببني إسرائيل الذين عصوا أنبياءهم؟!
ثانيًا: أن في الرواية طعنًا في عليّ رضي الله عنه، إذ إنه -بحسب زعمهم- إما أن يكون قد علم بأمر ولايته ولم يطالب بها ولم ينافح عنها، فيكون حينئذ ضعيفًا، والضعيف لا يصلح للإمامة؛ وإما أنه لم يعلم بها، فيكون غافلًا، والغافل لا يصلح لما غفل عنه.
بل نجد في “نهج البلاغة” رواية يصرّح فيها علي رضي الله عنه بأنه لما أُريدت منه البيعة بعد استشهاد عثمان قال: “دعوني والتمسوا غيري”.
فكيف يقول ذلك، وهو يعلم -على زعمهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى إليه بالخلافة صراحة؟!
هذا، والله أعلم، ما تيسّر لنا كتابته في هذه العجالة بخصوص ما جاء في حديث الغدير، وأنه لا يدل لا بلفظه ولا بمعناه على أكثر من المحبة والمناصرة، ولا يثبت بحال أنه نصّ على الخلافة أو الوصية بها.
د. خالد نصر

موضوعات ذات صلة