إسرائيل وإيران توافق أم اتفاق
– إيران دولة تاريخية بلا شك ولها توجه قومي فارسي وديني شيعي.
– ومستعمرة إسرائيل دولة وظيفية ولها توجه قومي صهيوني وديني يهودي.
– كلا الدولتين محاطة بمن يخالفها المذهب والقومية.
وهذه حقائق لا ينكرها أحد، ولربما جعل ذلك النظامين يتوافقان في مراحل معينة متعلقة بالنشأة أو الاستقرار، كما حدث في عهد الشاه، والحرب العراقية الإيرانية، والحرب على الإرهاب كما سمتها أمريكا.
لكن..
من المهم جدًّا أن نفهم أن التوافق لا يعني الاتفاق وسأعطي أمثلة من التاريخ:
– عام 43 ق.م، تحالف:
• أوكتافيوس
• أنطونيوس
• ليبيدوس
فيما يُعرف بـ”التحالف الثلاثي الثاني”، وهدفه الانتقام من قتلة قيصر، وبالفعل قاموا بذلك ومباشرة بعد انتهاء العملية تخلص الاثنان من ليبيدوس، ثم تنازع أنطونيوس مع أوكتافيوس، وانتهى الأمر بهزيمة أنطونيوس في القصة الشهيرة.
والشاهد مع أن المملكة الرومانية كانت كبيرة جدًّا بما يكفي للجميع، إلا أن قوانين القوة والتحكم تقضي بالتنافي والتفاني والتدافع، وهذا شأن الدول.
– إيطاليا كانت حليفًا للإمبراطورية النمساوية فيما يعرف بالحلف الثلاثي في أوائل القرن الماضي، وكانت بينهما معاملات اقتصادية وروابط حدودية، ومع ذلك انقلبت عليها في سنة ١٩١٥م بعد سنة من بداية الحرب العالمية الأولى، وهاجمتها من الجنوب، وانضمت إيطاليا إلى “الحلفاء” (بريطانيا – فرنسا – روسيا) بموجب معاهدة لندن، بعد وعدها بالحصول على أراضٍ نمساوية.
– الاتفاق الشهير: “ميثاق مولوتوف – ريبنتروب” الذي تم توقيعه بين الاتحاد السوفيتي (روسيا) وألمانيا النازية في سنة 1939م، ويقضي باقتسام بولندا، وهو ما تم بالفعل بعد شهر، وهاجمت ألمانيا بولندا من الغرب وبعدها بأسبوعين هاجمتها روسيا من الشرق، ومع ذلك بعد ثمانية أشهر هاجمت ألمانيا الاتحاد السوفييتي بحرب مهلكة، واحتلت معظم أراضيه، وكادت تدخل العاصمة.
والشاهد هنا أن ما كان بين إيران والغرب ليس اتفاقًا، ولكن توافق مصالح، وهناك فرق بين الاتفاق والتوافق، فقد تتوافق الأحزاب على مبدأ الانتخابات، ولكنها لا تتفق فيما بينها.
وهذا مهم جدًّا في فهم الصراع الدائر الآن ومآلاته.
الذي حدث هو تعارض مصالح الطرفين بعد توافقهم السابق، ونظرًا لعدم اتفاق محدد فقد حدث التداخل.
إيران تحلم ببناء الإمبراطورية الفارسية وتستعيد أيام داريوس الأول، وأمامها فضاء كبير في البلاد العربية والإسلامية القريبة كأفغانستان والعراق والخليج وسوريا واليمن وكلها مناطق نفوذ سابقة.
ومستعمرة إسرائيل لها حلم بناء دولة مركزية آمنة ومستقرة في فلسطين التاريخية وربما بعض المناطق حولها.
والغرب يحتاج كلا الطرفين للسيطرة على الغالبية السنية الخطرة على مصالحه.
ولكن ضعف المحيط أغرى إيران وإسرائيل حتى تواجها وجهًا لوجه، وصار ما يقع تاريخيًّا إما نازية وإما شيوعية، مع أن كليهما اشتراكي، وإما ماركوس أنطونيوس أو أكتافيوس، وكلاهما صديق وابن لقيصر، وهنا لا بد من التدافع الطبيعي.
وكما قلت لن يخرج أحد من هذا الصراع قويًّا كما كان، بل الغالب ستكون النتيجة ظهور طرف آخر أقوى من المتخاصمين.
د خالد نصر
بوسطن ١٤ يونيو ٢٠٢٥