ابدأ بالموجود يُفتح لك باب المفقود

لكل حقٍّ حقيقة، والحقيقة لا تُعرف بالأماني ولا بالأحلام المؤجلة، بل تبدأ من الموجود لا من انتظار المفقود.
فمن علّق نفسه بما لم يأتِ بعدُ ضاع عمره في الأوهام، ومن استثمر ما بين يديه – قليلًا كان أو كثيرًا – رأى البركة تتنزل عليه في كل خطوة.
إنها سنّة الله في خلقه: ﴿لَئِنْ ‌شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].
البداية بالشكر على الموجود، والعمل به، هي بذرة الزيادة. فالطالب الذي ينتظر الكتب الكاملة أو البيئة المثالية لن يدرس أبدًا، بينما من يستفيد مما لديه من ورقة أو محاضرة يفتح الله له باب الفهم. والداعية الذي ينتظر المنابر الكبرى لن يتكلم أبدًا، أما من يحدّث أهله وأصدقاءه بما يعلم فقد بدأ مسيرة الدعوة. والتاجر الذي لا يدخل السوق إلا بعد رأس مال ضخم قد لا يدخل أبدًا، أما من يبيع بما معه اليوم فقد خطا الخطوة الأولى في طريق الرزق.
الحقيقة إذن أن المفقود يولد من رحم الموجود، وأن أبواب الرزق والبركة والفتح لا تُطرق بالانتظار وإنما بالفعل. وما أكثر ما أضاع الناس أعمارهم في قول: “سوف” و”حين يتوفر” و”لو كان عندي”، وما أقلّ من جعل من الموجود قاعدةً يبني عليها.
فلنغتنم ما بأيدينا، فهو الحقّ الذي سنُسأل عنه، وهو الحقيقة التي تبدأ منها كل البدايات.
ومن أخلص في الموجود فتح الله له أبواب المفقود، حتى يشهد بعينه وعد الله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ ‌لَا ‌يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].
د خالد نصر

موضوعات ذات صلة