View Categories

(ف443) ما قول سيادتكم فيمن يزعم أن المراد بآل محمد هم كل أتباعه؟

أولا: التشبيه يقتضي المغايرة بين المشبه والمشبه به؛ لأنه لو كان المشبه والمشبه به هو هو لصار الكلام لغوًا، فنحن لا نقول: قمر كالقمر، إلا لو كان القمر الأول يختلف عن القمر الثاني .
وهذه من بديهيات علم البلاغة.
فقول القائل: آل محمد هم كل أتباعه، يقتضي أن يكون آل إبراهيم مثله، هم كل أتباعه، فإذا كان النبي وأتباعه من آل إبراهيم لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: 68]، فكأننا شبهنا أنفسنا بأنفسنا عندما نقول: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، ونحن منهم، وكأننا نقول: صلِّ علينا كما صليت علينا، وبارك علينا كما باركت علينا!!
وهذا لا يصح في الكلام العربي ولا حتى الأعجمي.
ثانيا: تنوعت آراء العلماء في المقصود بآله صلى الله عليه وسلم:
فقولٌ أنهم:
– هم أولاده وبناته وأولادهم وبناتهم وإن سفلوا، نقله النووي.
وقولٌ أنهم:
– هم أولاده وبناته وأولادهم وبناتهم وإن سفلوا وأزواجه، وهذا وجه نقله ابن عبد البر في التمهيد، واستدل على أنهم أزواجه وذريته بما ورد في صيغة الدعاء: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وورد في بعض الأحاديث: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته».
وقولٌ أنهم:
– هم الذين حرمت عليهم الصدقة (الزكاة)، وهؤلاء اختلف العلماء في تحديدهم، فقيل: إنهم بنو هاشم وبنو المطلب، وهذا هو قول الشافعي رحمه الله تعالى، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد.
وقيل: هم بنو هاشم خاصة، وهذا هو مذهب أبي حنيفة، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد، وهو اختيار الإمام ابن القاسم صاحب مالك رحمه الله تعالى.
وقيل: إن الذين حرمت عليهم الصدقة هم بنو هاشم ومن فوقهم إلى بني غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب، وبنو أمية، وبنو نوفل، ومن فوقهم إلى بني غالب، وهذا اختيار أشهب من أصحاب الإمام مالك، ونقل عن غيره.
ورجح ابن تيمية أن الذين تحرم عليهم الصدقة هم من ذكروا في قول الشافعي ومن وافقه؛ وهم بنو هاشم وبنو المطلب رحمهم الله ورضي عنهم.
وقول أنهم: –
هم أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وهذا القول مروي عن جابر بن عبد الله، وذكره البيهقي عنه كذلك، وروي عن سفيان الثوري رحمه الله ورضي عنه، واختاره بعض أصحاب الشافعي ورجحه النووي.
وقال البعض إن: –
آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء فقط من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة.
والصواب أن (آل البيت) هم قوم مخصوصون وليسوا كل أمته وذلك للآتي:
1- أن الاستعمال اللغوي فرق بين آل الرجل وأمّته، وكلمة (آل) أصلها بألفين (أأل) والألف الثانية أصلها الهاء (أهل)، وقد جاء التصريح بها في القرآن في قوله تعالى: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود: 73]، أو الواو (أول) أي ما يؤول إليه وكلاهما يدلان على القرابة المباشرة.
وبيان ذلك أن كلمة (آل) في القرآن جاءت في باب المدح دالة على قوم مخصوصين، وليس على عموم أمة المضاف إليه؛ فمن ذلك:
قوله تعالى: ﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: 248]، ولا يقول قائل: إن (آل) هنا تدل على بني إسرائيل جملة، وإنما هي تدل على آل بيت سيدنا موسى وآل بيت سيدنا هارون خاصة.
وقوله تعالى: ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ﴾ [يوسف: 6]، والمقصود هنا إخوته وهم أبناء يعقوب النبي وليس نسل يعقوب المستمر.
وقوله تعالى: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: 6]، وسيدنا زكريا لم يقصد أنه يرث بني إسرائيل جملة لأنه يعلم أنهم أفسدوا وغيروا، وإنما قصد قومًا مخصوصين من أهل سيدنا يعقوب وهم الأنبياء.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: 59]، والمحقق أن من نجا هم أهل بيت لوط فقط إلا امرأته بالاستثناء، وليس كل أمته أو قومه.
وقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص: 8]، ومن المعلوم أن من التقطه هم خاصة بيت فرعون وليس كل المصريين.
وقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13]، والمقصود بهم أهل بيت داود وليس كل بني إسرائيل، فكان داود عليه السلام قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة، فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي، عملًا بالأمر كما نقل غير واحد من المفسرين.
فهذا وغيره من الآيات يدل على أن كلمة (آل) في سياق المدح تكون مخصوصة.
ولذا لو نذر أحدهم أن يكرم أحد آل بيت النبي، فأعطى زيدًا أو عَمْرًا من غمر الناس لا يقول أحد أنه وَفَّى بنذره، وإلا لما كان للتخصيص من ميزة.
٢- قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23]، والقربى هم آل بيته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أوشِكُ أنْ أُدْعى فأُجيبَ، وإنِّي تارِكٌ فيكمُ الثَّقَليْنِ: كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وعِتْرَتي، كتابُ اللهِ حَبْلٌ مَمدودٌ منَ السَّماءِ إلى الأرضِ، وعِتْرَتي: أهلُ بَيْتي» [رواه أحمد والترمذي]. ولا يقول أحد: أهل بيته هم أتباعه !
وحديث عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت: يا رسول الله! إن قريشًا إذا لقي بعضهم بعضًا، لقوهم ببشر -أو بوجه حسن- وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، ثم قال: «والذي نفسي بيده لا يدخل قلبَ رجل إيمانٌ حتى يحبكم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم» [رواه أحمد والترمذي]. دل أيضا على أن آل بيته قوم مخصوصون.
وحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) [رواه البخاري] ولا يقصد أمته طبعًا بل قومًا مخصوصين.
٣- ما جاء من إضافة النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لآل بيته تشريفًا لهم، ولو كان المقصود بآل البيت كل الأمة لما صار لإضافتهم لآل بيته ميزة؛ إذ الكل من آله في هذه الحالة، ومن ذلك قوله: «سلمان منا آل البيت» [رواه الطبراني والحاكم]، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «جرير منا آل البيت» [رواه ابن أبي عاصم والطبراني].
وعلى ذلك فالقول بأن (آل محمد) في التشهد هم كل أمته ليس متوجهًا، والصواب أنهم أهل بيته خاصة من أولاده وبناته وأولادهم وإن سفلوا وفيهم زوجاته.
المفتي: د خالد نصر