View Categories

(ف451) أرجو شرح حديث ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ».

أولا: من جهة الرواية ورد هذا الحديث بروايات متعددة بعضها في الصحيح وبعضها في غيره من كتب السنن:
١- رواية مسلم بسنده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ، دَفَعَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَهُودِيًّا، أوْ نَصْرانِيًّا، فيَقولُ: هذا فِكاكُكَ مِنَ النَّارِ».
٢- ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن شاهين بسنده عن أبي موسي الأشعري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه: «إذا كانَ يومُ القيامةِ بُعِثَ إلى كلِّ مؤمِنٍ بِملَكٍ معَه كافرٌ فيقولُ الملَكُ للمؤمنِ: يا مؤمنُ هاكَ هذا الكافرُ فَهَذا فداؤُك منَ النَّارِ».
٣- ما رواه الإمام أحمد في المسند عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يومُ القيامةِ دُفِعَ إلى كلِّ مؤمنٍ رَجُلٌ مِن أهلِ المِللِ، فيُقالُ له: هذا فِداؤكَ مِن النَّارِ».
وعلى ذلك فقد تنوعت الروايات بين:
من ينص على الفداء باليهودي أو النصراني.
ومن ينص على الفداء بالكافر المطلق.
ومن ينص على الفداء بواحد من أهل الملل غير الإسلام.
وهذا كله مقبول مفهوم؛ لأن الأغلب في الأحاديث أنها تُرْوَى بالمعنى لا باللفظ، والمعنى أحيانًا يتحدد بفهم الراوي.
ثانيا: من جهة المعنى:
المقصود بيان فضل الله على المؤمنين يوم القيامة، لا أن الذنوب تُنقل حقيقة إلى غيرهم.
والكافر يدخل النار بكفره وذنوبه هو، لكن الله يجعل عذابه بمثابة «الفداء» الذي يُمثِّل نجاة المؤمن.
وهناك فرق بين الاعتبار والحقيقة، وبيان ذلك أن الله تعالى خلق النار لتسع كل الخلق، ولكل واحد منها نصيب، وخلق الجنة لتسع الخلق، ولكل واحد منها نصيب.
فلما دخل المؤمن الجنة فقد أخلى مكانه في النار فشغله الكافر، ولما دخل الكافر النار فقد أخلى مكانه في الجنة فشغله المؤمن، فكان الحال كأنما ورث المؤمن الكافر في الجنة، وورث الكافر المؤمن في النار، وهذا من جهة الاعتبار.
ثالثا: من جهة فقه الحديث فإنه من القواعد القطعية في القرآن الكريم أن الإنسان لا يتحمّل وزر غيره، ولا يُعاقَب بجريرة سواه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]. وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38].
وهذا أصل شرعي محكم لا يقبل التخصيص ولا التبديل، ويُعدّ معيارًا لتفسير النصوص النبوية التي قد يوهم ظاهرها خلاف ذلك، ومنها ما قد يوهمه ظاهر حديث أبي موسى السابق .
وأما الحديث ونظائره فتخرج مخرج اللغة النبوية التي تستعمل كثيرًا أسلوب التمثيل والمجاز للتقريب والتصوير، ومن ذلك:
– حديث كسر عظم الميت: «كسر عظم الميت ككسره حيًّا» [رواه أبو داود]. المراد: تعظيم حرمة الميت، لا أنه يتألم كالأحياء.
– ومنها حديث تحريق من يصلي في البيت وفيه: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلَاةِ فيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ». أي على قوم لا يشهدون الصلاة. [متفق عليه].
ولم يقع جمع الحطب ولا إمامة المستخلف ولا التحريق، وما كان له أن يقع مع النهي عن التحريق بالنار، بل هو أسلوب مبالغة في الزجر والإنذار واستحضار الصورة.
– حديث النجوم أمنة للسماء: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد» [رواه مسلم]. وهو تمثيل بلاغي، لا أن النجوم تحرس السماء حقيقة.
ومثل ذلك في تعالميه صلى الله عليه وسلم كثير.
وعلى ذلك، فليس المراد أن كل مسلم يُعطى كافرًا بعينه ليكون فداء عنه، أو أن الذنوب تُنقل من المؤمن إلى غيره، فهذا يناقض أصول القرآن المحكمة، وإنما هو تمثيل وتصوير بلاغي لبيان فضل الله على عباده المؤمنين، إذ يُظهِر لهم أنهم قد فُكُّوا من النار، بينما الكافر ينال عذابه بما جناه من كفره وأعماله، لا بذنب أحدٍ غيره. وبهذا يزول الإشكال ويجتمع الحديث مع القاعدة القرآنية دون تعارض.
المفتي: د خالد نصر