View Categories

(ف453) هل يجوز أن نقول بأن الضار من أسماء الله الحسنى؟

أولا: الأصل في تحديد أسماء الله الحسنى وصفاته العليا هو التوقيف بالنص الشرعي الصحيح، حيث يرد بها نص قرآني كالأسماء التي وردت في آخر سورة الحشر أو وردت في فواصل السور.
وكذلك ما ورد في السنة الصحيحة كما في حديث: «إن الله هو الخالق القابض الباسط …».
وخلا ما ورد في القرآن والسنة الصحيحة لا يسمى به الله تعالى.
ثانيا: ورد حديث عند الترمذي يعدد أسماء الله الحسنى من رواية أبي هريرة، ولكن الترمذي نفسه ضعف الرواية فقال: (حديث غريب.. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم في كبير شيء من الروايات له إسناد صحيح ذكرَ الأسماءِ إلا في هذا الحديث، وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح).
وقال ابن تيمية رحمه الله: (إن التسعة والتسعين اسما لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث).
أي أن الأسماء المذكورة جاءت على سبيل الإدراج من الراوي وليست نصًّا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: اسم الضار لم يثبت في القرآن نصًّا باسم الفاعل، وكذلك هناك خلاف بين أهل السنة في وروده في حديث صحيح كما نقلنا عمن ضعف حديث أبي هريرة، وغاية ما جاء في القرآن من نسبة الضر لله ما جاء بصيغة المصدر كما في قوله تعالى: ﴿‌إِنْ ‌أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ [الزمر: 38]، وقوله تعالى: ﴿‌قُلْ ‌لَا ‌أَمْلِكُ ‌لِنَفْسِي ‌نَفْعًا ‌وَلَا ‌ضَرًّا﴾ [الأعراف: 188].
وبعض هذه الصفات ملازم لضده كي يظهر تمام الكمال في الصفة، فيقال: القابض الباسط، وكأنها كلمة واحدة، ويقال: المعطي المانع، ويقال: النافع الضار.
يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: (ومنها: ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقرونًا بمقابله؛ كالمانع، والضار، والمنتقم؛ فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله؛ فإنه مقرون بالمعطي، والنافع، والعفو، فهو المعطي المانع، الضار النافع، العفو المنتقم، المعز المذل؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرف فيهم -عطاءً ومنعًا، ونفعًا وضرًّا، وعفوًا وانتقامًا-. وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار؛ فلا يسوغ.
فهذه الأسماء المزدوجة يجري الاسمان منها مجرى الاسم الواحد، الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد؛ ولذلك لم تجئ مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة).
رابعًا: صفات الكمال المقيدة بقيد لا يجوز إطلاقها على الله تعالى مجردة من ذلك القيد؛ لأنها في أصلها ليست صفات مدح على الإطلاق، بل تكون كمالا من جهة المقابلة والجزاء ومناسبة الحكمة.
ومن أمثلة ذلك: المكر، والخداع، والاستهزاء، والكيد؛ فهذه الألفاظ إذا أطلقت مفردة من غير سياق تفيد الذم ونقص الحكمة.
ولهذا لا يصح أن نسمي الله تعالى: الماكر، أو المستهزئ، أو الخادع؛ لأن هذه ليست أسماء الله الحسنى، ولا ورد إطلاقها في النصوص هكذا.
وإنما تذكر هذه الصفات مقيدة على الوجه الذي وردت به في القرآن، باعتبارها جزاء من جنس عملهم، وكمالا في باب العدل، كما قال تعالى:
• ﴿‌وَيَمْكُرُونَ ‌وَيَمْكُرُ ‌اللَّهُ﴾ [الأنفال: 30].
• ﴿‌اللَّهُ ‌يَسْتَهْزِئُ ‌بِهِمْ ﴾ [البقرة: 15].
• ﴿‌يُخَادِعُونَ ‌اللَّهَ ‌وَهُوَ ‌خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: 142].
• ﴿‌وَأَكِيدُ ‌كَيْدًا﴾ [الطارق: 16].
فحينئذ يكون الوصف كمالا؛ لأنه مقابلة لعدوانهم، وإظهار لعدل الله وحكمته وقهره. ولهذا يقال: ماكر بالماكرين، مستهزئ بالمنافقين، خادع للمخادعين، كائد للكافرين، ولا يطلق بدون هذا القيد.
وعلى ذلك:
1- الأسماء الحسنى توقيفية، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه.
2- ما كان من الصفات يأتي على وجه المقابلة لا يجوز جعله اسمًا مطلقًا.
3- الكمال فيما ورد مقابلا ليس في ذات الوصف، بل في كونهما جزاءً عادلًا، وتصرفًا محكمًا، وإظهارًا للقدرة والعدل.
4- التقييد لازم شرعًا لأن النصوص لم ترد إلا به.
المفتي: د خالد نصر