أولًا: توصيف المسألة من جهة النظر الفقهي:
المسألة المعروضة تتلخص فقهيًّا في الصورة الآتية:
قيام أفراد أو مجموعات بشراء عدد كبير من تذاكر كأس العالم عبر المنصة الرسمية المعتمدة من الجهة المالكة للبطولة (فيفا)، وذلك قبل إجراء قرعة المباريات، أي قبل تعيّن الفرق والمباريات المرتبطة بكل تذكرة، مع عدم قصد الانتفاع الشخصي بحضور المباريات، وإنما بقصد إعادة بيع هذه التذاكر لاحقًا بعد ظهور القرعة، وبأسعار أعلى من السعر الأصلي، اعتمادًا على ارتفاع الطلب وقلّة المعروض في السوق الرسمية.
ويتم هذا البيع والشراء:
– بإذن صريح من الجهة المالكة للحق (فيفا).
– ومن خلال منصة إعادة البيع الرسمية التابعة لها.
– مع اقتطاع نسبة محددة (نحو 15%) لصالح (فيفا) من كل عملية إعادة بيع.
وعلى هذا فإن هذه المعاملة:
– تنطوي على احتمال الربح الكبير في حال تعلّقت التذكرة بمباراة قوية أو منتخبات ذات جماهيرية عالية.
– وتنطوي كذلك على احتمال الخسارة أو عدم الربح إذا تعلقت التذكرة بمباريات ضعيفة أو قليلة الطلب.
وهو احتمال معلوم ومُدرك عند المتعاملين، لكون الشراء قد تم قبل القرعة.
وعليه: فإن المسألة من حيث توصيفها الفقهي تتعلق بجملة من الأبواب، أبرزها:
– بيع الحقوق والمنافع غير المادية.
– المعاوضة المالية القائمة على تقلّب القيمة السوقية.
– وجود قدر من الغرر المحتمل في محل الانتفاع لا في أصل العقد.
– وإعادة البيع بقصد الربح دون قصد الاستعمال.
وهذا التوصيف هو الأساس الذي يُبنى عليه النظر في الحكم الشرعي من حيث الجواز أو المنع، وما يتفرع عنه من اعتبارات القصد، والضرر، والاحتكار، والمصلحة العامة.
ثانيًا: التكييف الفقهي للبيع:
التذكرة محل التعامل في هذه المسألة ليست عينًا ماديًّا، وإنما هي حقّ انتفاع موقت ومحدد يثبت لحاملها بالدخول إلى ملعب معين في وقت معين، لحضور مباراة معينة متى تعينت، وفق الشروط التي تضعها الجهة المالكة للبطولة.
وعليه: فإن التذكرة من حيث التكييف الفقهي تعد:
– حقًّا ماليًّا معتبرًا له قيمة سوقية.
– داخلة في مسمّى المنافع والحقوق القابلة للمعاوضة في الفقه المعاصر.
وقد استقرّ رأي جمهور الفقهاء على:
جواز بيع الحقوق والمنافع إذا توافرت الشروط الآتية:
1- أن يكون الحق ثابتًا معتبرًا شرعًا.
2- وأن يكون مأذونًا في نقله من الجهة المالكة له.
3- وأن يكون محل الانتفاع مباحًا في أصله.
4- وألا يشتمل العقد على غرر فاحش أو محظور شرعي مستقل.
وزاد السادة الأحناف شرط أن تكون المنفعة عينًا كحق المرور في الطريق وبيع حق الشرب.
وبتطبيق ذلك على محل المسألة:
– فحقّ الانتفاع ثابت للمشتري بموجب الشراء الصحيح من الجهة المالكة.
– نقل هذا الحق إلى الغير مأذون به صراحة من فيفا.
– محل الانتفاع (حضور مباراة رياضية) مباح في الجملة.
– البيع يتم على مال معلوم في أصله، وإن لم تتعيّن بعض أوصافه التفصيلية بعد.
ومن ثمّ، فإن إعادة بيع التذكرة -من حيث أصل العقد وتكييفه- تكيف على أنها:
بيع حق انتفاع مالي مأذون فيه شرعًا في الجملة ولا يُحكم عليه بالمنع لمجرد كونه بيعًا لما لا يُقصد استعماله، أو لكونه بيعًا قبل الانتفاع.
ولا يخرج هذه المعاملة عن أصل الجواز:
– كون المشتري لا يقصد الحضور بنفسه.
– ولا كون الشراء وقع بنية التجارة لا الاستعمال.
إذ العبرة في المعاوضات بصحة المحل والإذن فيه، لا بمجرد قصد الاستعمال الشخصي.
ثالثًا: ثبوت الجواز في نظائر شرعية معتبرة:
يُستأنس لجواز هذا النوع من المعاملات -من حيث أصل البيع وإعادة البيع- بوجود نظائر شرعية مستقرة في الفقه المعاصر، جرى العمل على إجازتها، إذا انضبطت بضوابطها، ومن ذلك:
1- شراء غرف الفنادق وإعادة بيعها في مواسم الذروة.
من الصور المعروفة:
– قيام أفراد أو شركات بحجز عدد من غرف الفنادق في مكة أو المدينة قبل موسم الحج أو العمرة، ثم إعادة بيع حقّ الإقامة فيها للحجاج أو المعتمرين بسعر أعلى عند اشتداد الطلب.
وقد جرى العمل الفقهي المعاصر على تكييف هذا التصرف على أنه بيع منفعة مأذون فيها، مع جواز زيادة السعر تبعًا لتغيّر العرض والطلب، ما دام الحجز صحيحًا، والمنفعة مملوكة، ونقلها إلى الغير مأذونًا به.
2- ومثل ذلك في تذاكر السفر التي تشتريها شركات السفر لذات الغرض، من أجل مجموعات الحج والعمرة.
3- بيع حق الانتفاع لمن تعين له مكان في السوق فباعه فأجره لغيره.
4- من يؤجر شقة من صاحبها ثم يعيد تأجيرها غرفًا أو أَسِرَّةً لساكنين أو طلاب مثلا.
وكل ذلك جائز بشروطه.
رابعًا: عدم دخول هذه الصورة في باب الاحتكار المحرَّم:
حيث إن الاحتكار في الاصطلاح الفقهي هو: حبس السلعة وقت حاجة الناس إليها بقصد إغلاء السعر عليهم.
وقد قرر جمهور الفقهاء أن الاحتكار المحرَّم له قيود معتبرة، من أهمها:
1- أن يكون محله سلعة ضرورية أو مما تعمّ به الحاجة.
2- أن يقع في وقت ضيق وحاجة عامة.
3- أن يترتب عليه ضرر بيّن بالناس.
4- أن يكون الحبس بقصد الإضرار لا لمجرد التجارة.
وبتطبيق هذه الضوابط على محل المسألة، يتبيّن ما يلي:
1- أن محل المعاملة ليس من السلع الضرورية ولا مما تعم به الحاجة:
فتذاكر المباريات، ومنها تذاكر كأس العالم ليست من القوت ولا من ضروريات المعاش، ولا مما تقوم به حياة الناس أو مصالحهم العامة.
فالاحتكار المحرم إنما يجري في الأقوات وما في معناها مما يترتب على حبسه ضرر عام.
وعلى هذا: فإن إدخال هذه الصورة في باب الاحتكار قياس مع الفارق.
2- أن الشراء وقع قبل وقت الحاجة لا عنده:
ومن المعتبر فقهيًّا أن الاحتكار يكون بحبس السلعة بعد دخول وقت الحاجة.
أما في هذه الصورة، فالشراء تم قبل تعيّن المباريات، وقبل توجّه حاجة الناس الفعلية لتذاكر مباريات بعينها، وفي وقت كان العرض فيه متاحًا من الجهة المالكة. وهذا أشبه بالتخزين التجاري المعتاد، لا بحبس السلع عند اشتداد الحاجة.
3- أن ارتفاع السعر ناتج عن تغير السوق لا عن الحبس القسري:
فارتفاع أسعار التذاكر لاحقًا، ليس ناتجًا عن منع الناس من الشراء ابتداءً، وإنما نتج عن كثرة الطلب، ومحدودية المقاعد بطبيعتها، وتفاوت قيمة المباريات.
والتاجر في هذه الصورة لم يمنع الناس من الشراء في وقت الإتاحة، ولم يحتجز سلعة كانت مطلوبة وقت حبسها، وإنما استثمر فارق الزمن والمخاطرة.
لهذا تدخل المعاملة في التسعير السوقي المباح لا الإغلاء الاحتكاري.
4- أن الجهة المالكة لم تُسقط المعروض عن السوق:
وهذا من الفوارق المؤثرة:
حيث إن الفيفا نفسها هي التي حدّدت عدد التذاكر، وهي التي فتحت باب البيع المبكر، وهي التي تدير إعادة البيع.
والمتاجر هنا لم يسحب سلعة من السوق بغير إذن، ولم يخلق شُحًّا اصطناعيًّا خارج النظام المعتمد، بل تصرّف ضمن آلية السوق التي وضعتها الجهة المالكة.
خامسًا: الغرر في هذا النوع من البيوع:
الغرر في اصطلاح الفقهاء هو ما كان مجهول العاقبة أو غير معلوم الحصول على وجه يُفضي إلى النزاع.
وقد تقرّر في القواعد الفقهية أن:
– الغرر المحرَّم هو الغرر الفاحش المؤثّر في أصل العقد.
– الغرر اليسير أو التابع فهو مغتفر في المعاوضات، لا يوجب الفساد ولا التحريم.
والغرر هنا واقع في الوصف لا في الأصل.
ففي الصورة محل البحث:
– أصل محل العقد (التذكرة/حق الدخول) موجود وثابت.
– الجهالة ليست في وجود الحق ولا في إمكان الانتفاع، وإنما في تعيّن الوصف التفصيلي (الفريق، المباراة، القيمة السوقية).
وهذا النوع من الجهالة واقع في الوصف التابع لا في ذات المعقود عليه، وقد قرر الفقهاء أن الجهالة في الصفات التابعة مغتفرة إذا كان الأصل معلومًا، فيغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
وعلى ذلك فالذي نراه أن الأصل في هذه المعاملة الجواز، ولا يظهر ما يقتضي منعها أو تحريمها من حيث ذاتها، وذلك لما يلي:
1- أن محل العقد هو بيع حق انتفاع مالي معتبر، ثبت للمشتري بعقد صحيح، وأُذن في نقله وإعادة بيعه من الجهة المالكة للحق.
2- أن هذه المعاملة لها نظائر شرعية مقرّرة في الفقه القديم والمعاصر، كبيع المنافع، وإعادة تأجير المستأجَر بأكثر، وشراء الحقوق الزمنية ثم بيعها عند تغيّر الطلب، ولم يُمنع شيء من ذلك لذاته.
3- أن هذه الصورة لا تدخل في حقيقة الاحتكار المحرَّم؛ لانتفاء شروطه المعتبرة، من كون المعقود عليه غير ضروري، ووقوع الشراء قبل وقت الحاجة، وكون ارتفاع السعر ناتجًا عن تغيّر السوق لا عن حبس قسري.
4- أن الغرر الموجود فيها غرر تابع محتمل، واقع في بعض الأوصاف لا في أصل المعقود عليه، وهو معلوم للطرفين، ومغتفر شرعًا، ولا يرقى إلى الغرر الفاحش المفسد للعقد.
5- أن احتمال الخسارة قائم كما احتمال الربح، مما يُخرج المعاملة عن باب القمار والميسر، ويُدخلها في باب المخاطرة التجارية المشروعة.
المفتي: د خالد نصر
المسألة المعروضة تتلخص فقهيًّا في الصورة الآتية:
قيام أفراد أو مجموعات بشراء عدد كبير من تذاكر كأس العالم عبر المنصة الرسمية المعتمدة من الجهة المالكة للبطولة (فيفا)، وذلك قبل إجراء قرعة المباريات، أي قبل تعيّن الفرق والمباريات المرتبطة بكل تذكرة، مع عدم قصد الانتفاع الشخصي بحضور المباريات، وإنما بقصد إعادة بيع هذه التذاكر لاحقًا بعد ظهور القرعة، وبأسعار أعلى من السعر الأصلي، اعتمادًا على ارتفاع الطلب وقلّة المعروض في السوق الرسمية.
ويتم هذا البيع والشراء:
– بإذن صريح من الجهة المالكة للحق (فيفا).
– ومن خلال منصة إعادة البيع الرسمية التابعة لها.
– مع اقتطاع نسبة محددة (نحو 15%) لصالح (فيفا) من كل عملية إعادة بيع.
وعلى هذا فإن هذه المعاملة:
– تنطوي على احتمال الربح الكبير في حال تعلّقت التذكرة بمباراة قوية أو منتخبات ذات جماهيرية عالية.
– وتنطوي كذلك على احتمال الخسارة أو عدم الربح إذا تعلقت التذكرة بمباريات ضعيفة أو قليلة الطلب.
وهو احتمال معلوم ومُدرك عند المتعاملين، لكون الشراء قد تم قبل القرعة.
وعليه: فإن المسألة من حيث توصيفها الفقهي تتعلق بجملة من الأبواب، أبرزها:
– بيع الحقوق والمنافع غير المادية.
– المعاوضة المالية القائمة على تقلّب القيمة السوقية.
– وجود قدر من الغرر المحتمل في محل الانتفاع لا في أصل العقد.
– وإعادة البيع بقصد الربح دون قصد الاستعمال.
وهذا التوصيف هو الأساس الذي يُبنى عليه النظر في الحكم الشرعي من حيث الجواز أو المنع، وما يتفرع عنه من اعتبارات القصد، والضرر، والاحتكار، والمصلحة العامة.
ثانيًا: التكييف الفقهي للبيع:
التذكرة محل التعامل في هذه المسألة ليست عينًا ماديًّا، وإنما هي حقّ انتفاع موقت ومحدد يثبت لحاملها بالدخول إلى ملعب معين في وقت معين، لحضور مباراة معينة متى تعينت، وفق الشروط التي تضعها الجهة المالكة للبطولة.
وعليه: فإن التذكرة من حيث التكييف الفقهي تعد:
– حقًّا ماليًّا معتبرًا له قيمة سوقية.
– داخلة في مسمّى المنافع والحقوق القابلة للمعاوضة في الفقه المعاصر.
وقد استقرّ رأي جمهور الفقهاء على:
جواز بيع الحقوق والمنافع إذا توافرت الشروط الآتية:
1- أن يكون الحق ثابتًا معتبرًا شرعًا.
2- وأن يكون مأذونًا في نقله من الجهة المالكة له.
3- وأن يكون محل الانتفاع مباحًا في أصله.
4- وألا يشتمل العقد على غرر فاحش أو محظور شرعي مستقل.
وزاد السادة الأحناف شرط أن تكون المنفعة عينًا كحق المرور في الطريق وبيع حق الشرب.
وبتطبيق ذلك على محل المسألة:
– فحقّ الانتفاع ثابت للمشتري بموجب الشراء الصحيح من الجهة المالكة.
– نقل هذا الحق إلى الغير مأذون به صراحة من فيفا.
– محل الانتفاع (حضور مباراة رياضية) مباح في الجملة.
– البيع يتم على مال معلوم في أصله، وإن لم تتعيّن بعض أوصافه التفصيلية بعد.
ومن ثمّ، فإن إعادة بيع التذكرة -من حيث أصل العقد وتكييفه- تكيف على أنها:
بيع حق انتفاع مالي مأذون فيه شرعًا في الجملة ولا يُحكم عليه بالمنع لمجرد كونه بيعًا لما لا يُقصد استعماله، أو لكونه بيعًا قبل الانتفاع.
ولا يخرج هذه المعاملة عن أصل الجواز:
– كون المشتري لا يقصد الحضور بنفسه.
– ولا كون الشراء وقع بنية التجارة لا الاستعمال.
إذ العبرة في المعاوضات بصحة المحل والإذن فيه، لا بمجرد قصد الاستعمال الشخصي.
ثالثًا: ثبوت الجواز في نظائر شرعية معتبرة:
يُستأنس لجواز هذا النوع من المعاملات -من حيث أصل البيع وإعادة البيع- بوجود نظائر شرعية مستقرة في الفقه المعاصر، جرى العمل على إجازتها، إذا انضبطت بضوابطها، ومن ذلك:
1- شراء غرف الفنادق وإعادة بيعها في مواسم الذروة.
من الصور المعروفة:
– قيام أفراد أو شركات بحجز عدد من غرف الفنادق في مكة أو المدينة قبل موسم الحج أو العمرة، ثم إعادة بيع حقّ الإقامة فيها للحجاج أو المعتمرين بسعر أعلى عند اشتداد الطلب.
وقد جرى العمل الفقهي المعاصر على تكييف هذا التصرف على أنه بيع منفعة مأذون فيها، مع جواز زيادة السعر تبعًا لتغيّر العرض والطلب، ما دام الحجز صحيحًا، والمنفعة مملوكة، ونقلها إلى الغير مأذونًا به.
2- ومثل ذلك في تذاكر السفر التي تشتريها شركات السفر لذات الغرض، من أجل مجموعات الحج والعمرة.
3- بيع حق الانتفاع لمن تعين له مكان في السوق فباعه فأجره لغيره.
4- من يؤجر شقة من صاحبها ثم يعيد تأجيرها غرفًا أو أَسِرَّةً لساكنين أو طلاب مثلا.
وكل ذلك جائز بشروطه.
رابعًا: عدم دخول هذه الصورة في باب الاحتكار المحرَّم:
حيث إن الاحتكار في الاصطلاح الفقهي هو: حبس السلعة وقت حاجة الناس إليها بقصد إغلاء السعر عليهم.
وقد قرر جمهور الفقهاء أن الاحتكار المحرَّم له قيود معتبرة، من أهمها:
1- أن يكون محله سلعة ضرورية أو مما تعمّ به الحاجة.
2- أن يقع في وقت ضيق وحاجة عامة.
3- أن يترتب عليه ضرر بيّن بالناس.
4- أن يكون الحبس بقصد الإضرار لا لمجرد التجارة.
وبتطبيق هذه الضوابط على محل المسألة، يتبيّن ما يلي:
1- أن محل المعاملة ليس من السلع الضرورية ولا مما تعم به الحاجة:
فتذاكر المباريات، ومنها تذاكر كأس العالم ليست من القوت ولا من ضروريات المعاش، ولا مما تقوم به حياة الناس أو مصالحهم العامة.
فالاحتكار المحرم إنما يجري في الأقوات وما في معناها مما يترتب على حبسه ضرر عام.
وعلى هذا: فإن إدخال هذه الصورة في باب الاحتكار قياس مع الفارق.
2- أن الشراء وقع قبل وقت الحاجة لا عنده:
ومن المعتبر فقهيًّا أن الاحتكار يكون بحبس السلعة بعد دخول وقت الحاجة.
أما في هذه الصورة، فالشراء تم قبل تعيّن المباريات، وقبل توجّه حاجة الناس الفعلية لتذاكر مباريات بعينها، وفي وقت كان العرض فيه متاحًا من الجهة المالكة. وهذا أشبه بالتخزين التجاري المعتاد، لا بحبس السلع عند اشتداد الحاجة.
3- أن ارتفاع السعر ناتج عن تغير السوق لا عن الحبس القسري:
فارتفاع أسعار التذاكر لاحقًا، ليس ناتجًا عن منع الناس من الشراء ابتداءً، وإنما نتج عن كثرة الطلب، ومحدودية المقاعد بطبيعتها، وتفاوت قيمة المباريات.
والتاجر في هذه الصورة لم يمنع الناس من الشراء في وقت الإتاحة، ولم يحتجز سلعة كانت مطلوبة وقت حبسها، وإنما استثمر فارق الزمن والمخاطرة.
لهذا تدخل المعاملة في التسعير السوقي المباح لا الإغلاء الاحتكاري.
4- أن الجهة المالكة لم تُسقط المعروض عن السوق:
وهذا من الفوارق المؤثرة:
حيث إن الفيفا نفسها هي التي حدّدت عدد التذاكر، وهي التي فتحت باب البيع المبكر، وهي التي تدير إعادة البيع.
والمتاجر هنا لم يسحب سلعة من السوق بغير إذن، ولم يخلق شُحًّا اصطناعيًّا خارج النظام المعتمد، بل تصرّف ضمن آلية السوق التي وضعتها الجهة المالكة.
خامسًا: الغرر في هذا النوع من البيوع:
الغرر في اصطلاح الفقهاء هو ما كان مجهول العاقبة أو غير معلوم الحصول على وجه يُفضي إلى النزاع.
وقد تقرّر في القواعد الفقهية أن:
– الغرر المحرَّم هو الغرر الفاحش المؤثّر في أصل العقد.
– الغرر اليسير أو التابع فهو مغتفر في المعاوضات، لا يوجب الفساد ولا التحريم.
والغرر هنا واقع في الوصف لا في الأصل.
ففي الصورة محل البحث:
– أصل محل العقد (التذكرة/حق الدخول) موجود وثابت.
– الجهالة ليست في وجود الحق ولا في إمكان الانتفاع، وإنما في تعيّن الوصف التفصيلي (الفريق، المباراة، القيمة السوقية).
وهذا النوع من الجهالة واقع في الوصف التابع لا في ذات المعقود عليه، وقد قرر الفقهاء أن الجهالة في الصفات التابعة مغتفرة إذا كان الأصل معلومًا، فيغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
وعلى ذلك فالذي نراه أن الأصل في هذه المعاملة الجواز، ولا يظهر ما يقتضي منعها أو تحريمها من حيث ذاتها، وذلك لما يلي:
1- أن محل العقد هو بيع حق انتفاع مالي معتبر، ثبت للمشتري بعقد صحيح، وأُذن في نقله وإعادة بيعه من الجهة المالكة للحق.
2- أن هذه المعاملة لها نظائر شرعية مقرّرة في الفقه القديم والمعاصر، كبيع المنافع، وإعادة تأجير المستأجَر بأكثر، وشراء الحقوق الزمنية ثم بيعها عند تغيّر الطلب، ولم يُمنع شيء من ذلك لذاته.
3- أن هذه الصورة لا تدخل في حقيقة الاحتكار المحرَّم؛ لانتفاء شروطه المعتبرة، من كون المعقود عليه غير ضروري، ووقوع الشراء قبل وقت الحاجة، وكون ارتفاع السعر ناتجًا عن تغيّر السوق لا عن حبس قسري.
4- أن الغرر الموجود فيها غرر تابع محتمل، واقع في بعض الأوصاف لا في أصل المعقود عليه، وهو معلوم للطرفين، ومغتفر شرعًا، ولا يرقى إلى الغرر الفاحش المفسد للعقد.
5- أن احتمال الخسارة قائم كما احتمال الربح، مما يُخرج المعاملة عن باب القمار والميسر، ويُدخلها في باب المخاطرة التجارية المشروعة.
المفتي: د خالد نصر
