View Categories

(ف432) ما حكم اجتماع العيد مع صلاة الجمعة في يوم واحد؟

أولا: كلمة عيد:
* العيد في اللغة: كل ما يقع به اجتماع أو مناسبة على وجه معتاد:
فيقع به الاجتماع: يعني أن يكون عامًّا.
والمناسبة: تشمل المواسم الخاصة.
والوجه المعتاد، أي أنه لا بد أن يتكرر مع الزمن.
والتكرار ربما يكون أسبوعيًّا كالجمعة، أو شهريًّا كالبدر، أو سنويًّا كيوم الفطر والأضحى، وأول السنة الهجرية، ومولده الشريف، وغيرها مما لا يعود في العام الواحد إلا مرة.
قال ابن الأعرابي: (سمي العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد).
وقال ابن منظور: (والعيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد، لزم البدل -أي بين حرفي العلة-، ولو لم يلزم لقيل: أعواد، كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود).
بل إن الأزهري عد منه مناسبات السرور ومناسبات الحزن فقال: (والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن).
وقال ابن تيمية: (العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدًا إما بعود السنة أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا منها يوم عائد كيوم الفطر، ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات) [اقتضاء الصراط المستقيم].
* والعيد في الاصطلاح: ونقصد بالاصطلاح هنا المصطلح الفقهي التعبدي وهو: (زمن مخصوص يفرح فيه المسلم بتمام عبادته، خص بمناسك على جهة العبادة والطاعة).
ثانيا: وردت كلمة عيد في القرآن والسنة بمعان متعددة:
– ففي القرآن نجد قوله تعالى: ﴿‌تَكُونُ ‌لَنَا ‌عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ [المائدة: 114]، فهنا تحتمل العيد بمعنى اليوم الذي نحتفل فيه، وتحتمل معنى اجتماعنا ومجمعنا، كما ذهب غير واحد من المفسرين.
– وفي السنة: يأتي العيد للإشارة إلى الزمان:
كقول النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة: «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدًا».
– ويأتي العيد للإشارة إلى المكان كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا».
– ويأتي للإشارة إلى الفعل كما في قول ابن عباس: “شهدت العيد مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم كان يصلي قبل الخطبة” وقصده هنا أعمال العيد.
– ويأتي للإشارة لطريقة الاحتفال كما في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ هَذَا عِيدُنَا» أي وهذه طريقتنا في التعييد؛ لأن أبا بكر كان يعلم يقينا أن اليوم عيد.
وعلى ذلك فلفظ العيد بطبيعة الاستعمال اللغوي، والسماعي يحتمل العيد بمعناه الديني ويحتمل العيد بمعناه العاداتي.
ثالثا: آراء الفقهاء في اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد:
اختلف السادة الفقهاء في هذا الباب على أربعة أقوال:
الأول: قول الجمهور من الفقهاء: ومفاده أن اجتماع الصلاتين في يوم واحد لا يؤثر على أداء صلاة أي منهما، فيصلى العيد في وقته المشروع، وتصلى الجمعة في وقتها المشروع، ولا تسقط الجمعة بصلاة العيد.
وهذا ما ذهب إليه السادة الأحناف والمالكية، وهو مذهب الشافعية في حق أهل الحواضر دون أهل البوادي والأماكن البعيدة التي لا تقام فيها الجمعة عادة.
قال الإمام المرغيناني: (عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالأول سنة والثاني فريضة، ولا يترك واحد منهما).
وقال صاحب الإشراف في الفقه المالكي: (إذا اتفق عيد وجمعة لم يسقط أحدهما بالآخر).
وقال النووي في المجموع: (قال الشافعي والأصحاب: إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد وحضر أهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد فصلوا العيد، لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن أهل البلد، وفي أهل القرى وجهان).
الثاني: أن الجمعة تسقط بأداء صلاة العيد في حق أهل البوادي ومن ليس له مكان يقيم فيه الجمعة، وهذا مذهب الشافعية، ورواية عند المالكية.
الثالث: أن الجمعة تسقط عمن صلى العيد في جماعة، ولكنها تخلُف إلى ظهر، وهذا مذهب الحنابلة. ومن صلى الجمعة في وقت التوسعة قبل صلاة العيد سقطت عنه صلاة العيد.
قال صاحب المحرر: (إذا اجتمع عيدٌ وجمعةٌ سقطت الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام. وعنه: تسقط عنه أيضًا، وحضورها أولى، وكذلك يسقط العيد بالجمعة إذا قدمت عليه).
الرابع: أن من صلى العيد في جماعة سقطت عنه الجمعة والظهر جميعًا، ونسب هذا إلى ابن الزبير رواية فعل، وهو رأي عطاء بن أبي رباح، ولا يخفى ضعفه!.
واستدل كل مذهب بأدلة من المنقول والمعقول، والقياس أن صلاة العيد لا تسقط الجمعة، ولا الجمعة تسقط العيد لاختلاف الغرض والهيئة، ولكن الأيسر والأفق لأحوال الناس هو سقوط الجمعة عمن صلى العيد في جماعة ويصلي مكانها الظهر كما هو مذهب الحنابلة في الجميع والشافعية في أهل البوادي، ومع ذلك فيستحب للإمام الراتب أن يقيم الجمعة أيضًا ليحصل بها العيدية لمن لم يدرك صلاة العيد في جماعة.
المفتي: د خالد نصر